[صقر قريش]

الاقتصادية : السبت 17-3-1430هـ العدد : 5633
التعليم الأهلي بين التدليل والتعليم
د . إبراهيم بن شرفي أبوساق
أين يكمن التوازن العادل في أهداف التعليم الأهلي المتداخلة والمترابطة؟ هل يجب أن يكون السعي لتحقيق أعلى قدر ممكن من الربح هو الهدف الأول لملاك المدارس الخاصة؟ وإلى أي قدر؟ أم أن تحقيق أعلى قدر من التربية والتعليم للأجيال الناشئة هو الهدف الأول, كما تأمل أسر الطلبة التي تدفع أموالاً طائلة على تحقيق تعليم متميز لأبنائها؟ لا شك في أن سر نجاح التعليم الأهلي يتمحور حول تحقيق توازن عادل بين هذين الهدفين, فلا يمكن للمدارس الخاصة الاستمرار في دعم التعليم في المملكة من غير أن تحقق شيئاً من الربحية ولكن في الوقت نفسه يجب أن تحافظ على جودة عطائها التعليمي والتربوي بحيث تكون هذه الجودة هي الأساس الأول لربحية الملاك . العلاقة بين هذين الهدفين علاقة متبادلة لا يمكن فصلهما عن الآخر ولكن لا يمكن لأحدٍ منهما النجاح من غير الآخر, أي أن انسجامهما التطبيقي والتوازن في تحقيقهما يمثل سر النجاح في التعليم الأهلي . هذان الهدفان يتعارضان بشكل سلبي فقط عندما تفشل هذه المدارس في الحفاظ على هذا التوازن وعندما تفقد السيطرة على أولوياتها كمؤسسات تربوية وتعليمية وعندما يغيب دور وزارة التربية والتعليم في إشرافها على أداء المدارس الخاصة . التعليم الأهلي هو أحد صروح التربية والتعليم في المملكة, فمنذ الأيام الأولى من تأسيس المملكة كان للتعليم الأهلي دور أولي كبير في إرساء أسس التعليم الأولى في المملكة . اليوم ومع الانفجار السكاني الكبير في المملكة بات دور التعليم الأهلي أكثر أهمية في تخفيف العبء عن التعليم الحكومي وفي خلق بديل لمن لم يرضهم مستوى المدارس الحكومية ولمن يؤمن بأن التعليم الأهلي يوفر فرصا تعليمية وتربوية أفضل لأبنائهم . غير أن ارتفاع الطلب في السنوات الأخيرة على التعليم الأهلي أظهر مشكلات عديدة وخطيرة, فهناك مبالغة كبيرة في الرسوم الدراسية التي تعدت مستوى المعقول إلى آفاق الخيال . هذه الرسوم لا تعكس بالضرورة مستوى التميز التربوي والتعليمي في هذه المدارس, ولكنها في البعض منها, تعكس مستوى التميز الاجتماعي للطلبة ولعائلاتهم, وهذا له انعكاساته على الطلبة . التوجه الكبير من قبل عديد من المدارس الأهلية نحو جذب مزيد من الطلبة وتحقيق مزيد من الربح أدى إلى تغير كبير في روح الرسالة التعليمية والقيمة الأكاديمية التي من المفترض في أي مدرسة الحفاظ على قدسيتها في خلق فكر وإنسان ذي أخلاق تربوية عالية . في المدارس الأهلية تحولت السلطة من المعلم إلى المتعلم, من صاحب العلم إلى طالب العلم, فهذه المدارس أصبحت تعد وتتعامل مع الطالب على أنه زبون وعلى المدرس والمُدرِسة مراعاة طلباته والعمل على إرضائه بغض النظر عن احتياجاته التربوية والفكرية والتعليمية . أصبحت بعض المدارس تلبس بشت التدليل المستتر, فعلى كل مدرس لبس هذا البشت التدليلي والإسهام في عملية الرضا للطالب مصدر الربح المادي . في بعض المدارس الخاصة تبدلت المعادلة التعليمية, فأصبح الطالب يعلم المعلم كيف يعلمه وكيف يعامله وكيف يدلله . ضحية هذا التحول في التعليم الأهلي هم المدرسون والمدرسات, فهم حبيسي الربحية التي لا يعود عليهم منها سوى راتب شهري زهيد مريض لا يقارن بالمدرسين في المدارس الحكومية, وهم أيضاً حبيسو الخوف من تدنيس كرامة مهنتهم وقيمها السامية والخوف من شبح البطالة وهم من يعول أسرا تحتاج إلى ما جمعوه . أين الوزارة من وضع حد لهذا التفاوت الكبير بين المدرسين في المدارس الأهلية والحكومية؟ لماذا لا يشترط على المدارس الأهلية دفع رواتب مساوية لما تصرفه الوزارة؟ راتب المدرس في المدرسة الخاصة أقل بكثير من نظرائه في المدارس الحكومية, يعني ما أن مالك المدرس ستزيد ربحيته على حساب هؤلاء المدرسين!! هذا شيء غير أخلاقي وغير مقبول في مجتمع يحرص على العدل كقيمة مهمة في مجتمعنا . التدريس والتدليل في المدارس الأهلية يعني بذل جهد أكبر من المدرسين, إلا أنه ليس بالضرورة أن مستوى الطلبة الأكاديمي في هذه المدارس أفضل من الطلبة الدارسين في المدارس الحكومية . في عام 2006 أجرت الحكومة البريطانية دراسة قارنت فيها مستوى الطلبة في المدارس الخاصة بالطلبة في المدارس العامة . أظهرت نتائج الدراسة أن الطلبة في المدارس العامة أفضل من الطلبة في المدارس الخاصة . كان لعامل التدليل المستتر دور كبير في تردي مستوى طلبة المدارس الخاصة, فاعتبارهم لأنفسهم زبائن, أحدث فجوة في تعلمهم وفي تحصيلهم الدراسي حتى وإن كانوا ينجحون جميعاً في كل عام!!