عرض مشاركة واحدة
قديم 04-23-2009   رقم المشاركة : ( 5 )
صقر قريش
مشرف الأقسام التعليمية

الصورة الرمزية صقر قريش

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 2814
تـاريخ التسجيـل : 22-08-2008
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 31,556
آخــر تواجــــــــد : ()
عدد الـــنقــــــاط : 596
قوة التـرشيــــح : صقر قريش تميز فوق العادةصقر قريش تميز فوق العادةصقر قريش تميز فوق العادةصقر قريش تميز فوق العادةصقر قريش تميز فوق العادةصقر قريش تميز فوق العادة


صقر قريش غير متواجد حالياً

افتراضي رد: الملف الصحفي للتربية لخميس 27/4

المدينة : الخميس 27 ربيع الآخر 1430هـ العدد 16801
الطفولة والتربية الحُرة
طريف عيد السليطي
الركيزة الأساسية في التعليم والحث على تنمية طرائق التفكير هي ركيزة تحرير العقل وشحذ طاقاته وبعث الهمة العالية فيه وتحفيزه وتعزيزه ودعمه بأقصى ما يُمكن من وسائل وأساليب تدفع الطالب إلى التعلق بالعلوم ( بشطريها الإنساني والطبيعي ) والأفكار الإبداعية ( فناً وفلسفة وأدباً واقتصاداً وسياسة )من بين الأساسيات والبديهيات في التربية المعاصرة وعلم النفس ، أن أولى سنوات التنشئة ( وبخاصة السنوات الخمس المٌبكرة ) تكون مسؤولة بشكل كبير – إن لم يكن بشكل مُطلق وكُلي – عن تكوين شخصية الفرد ، وصياغة أبعادها النظريّة ، والنفسية ، والعمَلية . الطفولة بهذا المنحى إذن ، ليست مرحلة مؤقتة أو طارئة ، لكي يتم التعامل معها بعفوية ، أو ارتجال ، أو إهمال ، ولكنها هي الأساس الذي يقوم عليه بناء الفرد ، فكراً وعَضَلاً وسُلوكاً ، وأيّ اعتلال يُلازم الفرد في هذه المرحلة الحساسة سيترك أثره الهائل في شخصية الإنسان حتى البقية الباقية من حياته ، وسيكون من الصعب جداً – إن لم يكن من المُستحيل أحياناً – أن يتلافى المرء مصاعب التنشئة وما تُحدثه من آثار تترسخ وتتوطد بمرور الزمن لتجعل من مسألة علاجها أمراً عسيراً كل العُسر ، وكم سمعنا وقرأنا عن كثيرين عانوا في أواخر حياتهم وأواسطها مُعاناة فادحة سبّبتها مشاكل وقعت لهم إبان ريعان الطفولة وسن اليفاع . والذي يتأمل في التيارات التربوية والنفسية المُعاصرة يجدها تولي اهتماماً قوياً في أمور التنشئة هذه ، ولا يغفل كبار المفكرين والعلماء عن إيلاء جُل طاقاتهم البحثية والعلمية في سبيل سبر أغوار النفس الطفولية والتي هي عندهم بمثابة الصفحة البيضاء التي تُنقش عليها الحروف السحرية للتفوق والإبداع وتحرير الذات من سجن الجهالة والعُصاب الذهني والانغلاق العقلي . والذي يقرأ للتربويين الغربيين المُعاصرين من نافلة جون ديوي وبرتراند راسل وثيورندايك وسكينر ، أو حتى التربويين العرب المُعاصرين مثل الدكتور عبدالله عبد الدايم ، سيُلاحظ أن الركيزة الأساسية في التعليم والحث على تنمية طرائق التفكير هي ركيزة تحرير العقل وشحذ طاقاته وبعث الهمة العالية فيه وتحفيزه وتعزيزه ودعمه بأقصى ما يُمكن من وسائل وأساليب تدفع الطالب إلى التعلق بالعلوم ( بشطريها الإنساني والطبيعي ) والأفكار الإبداعية ( فناً وفلسفة وأدباً واقتصاداً وسياسة ) . والطفل من هذه الزاوية التربوية الأكاديمية ليس إلا مشروعاً للتحرر الكامل : تحرر نفسي عبر إتقان قواعد السلوك العملي والأخلاقي ، وتحرر عقلي عبر عدم التسليم بالخرافات الضارة وإنما إتقان مبادئ المنطق والتفكير القويم ، وتحرر عملي بواسطة الحياة الاجتماعية والاقتصادية الصحيّة إذ يعيش الإنسان في مأمن من تطفل الآخرين عليه ووصايتهم على ذاته وجعلهم منه دُمية ولعبة بأيديهم !وهذا لا يعني أن الطفولة هي مرحلة تتوازى مع جدية المراحل الأخرى كالمراهقة والشباب والكهولة والشيخوخة ، فللطفل حقه في اللعب واللهو بما يتناسب مع غريزته التي فُطر عليها ، وله الحق بالاستمتاع بطفولته وسنواته الأولى ، وكذلك أن تُؤمّن له الحماية الصحية ، والأمن ، والبيئة المُتسامحة ، والآصرة الأسرية الدافئة . وحتى اللهو واللعب يُمكن توظيفهما لصالح العملية التربوية والتعليمية : فكثيرٌ من وسائل التعليم العصرية الخاصة بالأطفال هي تعليمية في الوقت نفسه وعبرها يتشرّب الطفل أخلاطاً من المبادئ والتعاليم والخطوات التفكيرية والإبداعية ، ولا يعزب عن القول بأن أسمى وأدق غايات التعليم هي أن تمتزج المتعة مع طلب التعلم فيكون الطفل شغوفاً بمادته التعليمية مُنقاداً إليها بإرادته الشخصية لا أن تُفرض عليه فرضاً ويُساق إليها سوقاً . ومن هنا يتضح لنا الفارق بين التعليم والتربية النموذجيين واللذين يقومان بإقناع الطفل بأهميتهما الذاتية ليقتنع بهما ويسعى إليهما بعفوية اللذة ، وعن التربية القائمة على الإكراه والقسر والتعاليم الجبرية التي لا تتيح للطفل أن يقتنع أو ينقاد بفطرته فضلاً عن الاستمتاع بهذا الأمر وهذا ضرب من المُحال في ظل الإكراه أو التعسف .ومعلومٌ أن الإكراه والقمع والعَسف لا ينتج منهم إلا شخصية متذبذبة ضعيفة خانعة لا تملك من أمر الحل والعقد شيئاً ، وأما الإقناع والنقاش الهادئ والحوار المتزن فإنه يُعوِّد الطفل منذ النشأة على تبادل الأفكار وبناء الحجج وتأسيس منهج واضح ينبني عليه القول والكلام والفعل . ويجب أن لا يُخلط بين الحزم والجدية وبين الإكراه والعسف ، فالحزم قد يكون هادئاً وغير مُباشر ولا يشعر فيه الطفل بأية مضايقات تتهدّد حريته أو تخترق فضاءه الصغير وعلى عكس هذا يكون الإكراه الذي يُرهب الطفل ويُخلخل شخصيته ويبعث فيه الشعور بالتهديد المُستمر وعدم الطمأنينة . وعندي أن التربية القويمة والمُتكاملة والحُرة في آن لا تحتاج لأن تكون عنيفة أو إكراهية لأنها بذلت السبب الصحيح وأقامت الأساس الصائب في تحرير شخصية الطفل وتأمين العناصر الضرورية لنمائه الروحي والجسدي ، بينما على خلافها يحتاج المُربي المُهمل إلى أن يكون عنيفاً مع الأطفال وفظاً معهم ليسد الخلل والنقص في بنائه المُتهالك ، وهو نقصٌ سُرعان ما تتضح آثاره السلوكية والمهارية والوجدانية والفكرية على شخصية الطفل في مُستقبلي حياته القريب والقصي . وهذا ما لا يحسب حسابه كثيرون فهم يتصوّرون أن الطفل جاهل وسريع النسيان وأنه لا يفقه شيئاً ولا يعلم سراً ولا يُحلل خبراً ولا نبأً ، في حين أن جميع الدراسات الموثوقة والعلمية والتي تشمل الأبعاد الكاملة لشخصية الطفل تثبت أن حساسيته وقابليته لالتقاط التفاصيل هي أقوى بكثير من الكبار نظراً لصفاء ذهنيته ونقائها من شوائب البالغين ، وما أكثرها من شوائب !
آخر مواضيعي
  رد مع اقتباس