رد: الملف الصحفي للتربية لخميس 27/4
صحيفةاليوم : الخميس 27 ربيع الآخر 1430هـ العدد 13096
ماذا يحدث لو أتقنت حفيدتي اللغة الإنجليزية؟
إبراهيم الجوف
عزيزي رئيس التحرير
بين الحين والحين تعلو بعض الأصوات مجلجلة ومحذرة من أن تندثر لغتنا العربية، لغة القرآن العظيم، بعد أن تطغى عليها تلك اللغة المسماة بالانجليزية، أو لغة العصر حتى لا يفكر أحد أنني ازدريها بمقالتي هذه، وهي بالفعل لغة العصر، ولكن من أحالها إلى لغة بهذا الحجم وبهذا المستوى، لدرجة أن الكل أصبح يخطب ودها، ويسارع إلى تعلمها، بل أنه يدفع، دم قلبه، كما يقول الأخوة المصريون، من أجل أن يتعلم أبناءه هذه اللغة، ويتقنونها؟، ولكن من جعل لهذه اللغة تلك الأهمية يا ترى؟! في البداية أهلها الانجليز بالطبع، بعد أن أصبحت إمبراطوريتهم عظمى لا تغيب عنها الشمس، حيث القوة والمنعة، على رأي ابن خلدون، وتأثيرها على الشعوب المغلوبة على أمرها، في تلك الفترات التاريخية.. وهذا كلام لا مبالغة فيه ولا مواربة، سلمنا بذلك، ولكن الآن لم يعد لدينا لا إمبراطورية عظمى ولا ما يحزنون، فنحن الذين نعظمها الآن فجميع الوظائف تطلب اللغة الانجليزية خاصة في الشركات، وهي التي يعول عليها في هذه الأيام كبديل عن الوظائف الحكومية - التي تتناقص- مهما كانت الوظيفة بسيطة، ولا نقلل من أهمية أي عمل، فهو عمل مهما صغر، فوظيفة مثل حارس الأمن، ربما لا تحتاج كلها إلى لغة انجليزية، ولكن يطلب من المتقدم معرفة اللغة الانجليزية، فكيف لا يتعلم الناس هذه اللغة، وهي التي تكاد تتحكم في أرزاقهم، ناهيك عن طلاب الجامعة، وما يعانونه من صعوبات في متابعة دراساتهم في الداخل والخارج، على اعتبار أنهم ضعاف في اللغة الانجليزية من الأساس.. والدراسة بعد الثانوية تكون باللغة الانجليزية.. وهذه مشكلة يراد لها حل جذري، من وزارة التعليم والتعليم العالي..المشكلة ليست هنا، فمن علم لغة قوم أمن مكرهم، هذا كلام جميل لا يتناقض مع ما نحن بصدده، المشكلة تكمن في أن كل جيل يتعلم لغة انجليزية يكون حتماً على حساب تعلم اللغة العربية، التي لا تلقى نفس الاهتمام، لا في المدارس ولا في البيوت، ولا في المستشفيات ولا في الأسواق، ولا حتى في أسماء المحلات التجارية، التي أصبحت تتباهى بكتابة الاسم الانجليزي أحيانا قبل الاسم العربي، أو المعرب، خاصة تلك الماركات الكبيرة، المفروضة علينا من الخارج.. لست هنا بصدد ألا نتعلم اللغة الانجليزية، بل أن تعلمها اعتبره واجباً وضرورياً حتى في المدارس الابتدائية، مع ما في ذلك من محاذير وتأثيرات على لكنة الطفل، ولكن المطلوب هو أن يتوازي، أو يفترض أن يزيد تعليم هذه اللغة (الانجليزية) التي لم نعد نستطيع هجرها، مع تعليم خاص وجيد وتقني وعلى مستوى عال للغتنا الأم لغة قرآننا الكريم، الذي نزل على أفضل الرسل، (صلى الله عليه وسلم).كما يفترض أن يكون تعلم اللغة العربية عن اقتناع بأهميتها، وأن توضع المسابقات الكبيرة، وترصد الجوائز المغرية غالية الثمن، بشكل دوري، وعلى مستويات عالية، من أجل تحميس الشباب، وتوعيتهم، بأهمية هذه اللغة، كما على رجال الدين إصدار الفتاوى، بأن تعلم هذه اللغة واتقانها جزء مكمل لدين الإنسان، وهذا لاشك فيه، فكيف لنا أن نفهم هذا القرآن العظيم الذي بين أيدينا دون أن نعرف معطيات اللغة العربية، من نصب وجر وجزم، ومبتدأ وخبر، وفعل وفاعل ومفعول به، ومفعول لأجله ..إلخ، مع ملاحظة، عدم الإكثار من التفصيلات الغير ضرورية، وكثرة التقعرات في اللغة، والغلظة والشدة في تعلمها، حتى لا ينفر الأولاد منها. حيث كلنا نعلم أن السبب وراء هذا الكم الهائل في تفرعات اللغة العربية، أن بعض مريديها في عصور الازدهار، كانوا يتبارون في تكبير وتحجيم تفصيلاتها، من نحو وصرف، وخلافه، من أجل كسب المزيد من المال من الأمراء والحكام في العصور الأموية والعباسية وغيرها، حيث كان كتاب قواعد اللغة العربية وتطبيقاتها، يوزن بميزان، بأمر من الوالي أو الخليفة آنذاك، ومن ثم يؤمر بدفع مقابله من الذهب الخالص أو الفضة بحسب ما تشير بعض المصادر، مما جعل اللغويين يغالون في ذلك ويضخمون تفرعاتها ..والحق يقال فقد كانت اللغة العربية تستحق كل هذا العناء والاهتمام، فهي معدن لا ينضب أبداً، بل أن اللغة الانجليزية التي نخاف اليوم أن تغزوها، وهي بالفعل غزتها، كان لها الفضل أي للغة العربية في إثراء اللغة الانجليزية، بالكثير من المفردات اللفظية، حيث ورد في الكثير من المراجع أن الأسماء العربية قد فرضت نفسها، ونقلت إلى اللغات الأوروبية كما هي عند ترجمة المؤلفات العربية إلـى اللاتينية، وطبيعي أن يحدث بعض التحـريف عند النقل أو عند نطقها، وخصوصاً الكاف والقاف والخاء.. إلخ، حيث يقول المستشرق تايلور: هناك حوالي ألف كلمة ذات أصل عربي في اللغة الإنجليزية، وآلاف أخرى مشتقة من هذه الكلمات انتقلت من العربية بعد التحريف والتعديل في النطق، فهناك حوالي (260) كلمة من الألف التي ذكرناها في الاستعمال الدارج اليومي. فمعجم أكسفورد يضم (405) من هذه الكلمات ومن بينها (283) تعد من الأهمية بحيث إنها قد أدرجت في قاموس أكسفورد للجيب ومن هذه الكلمات نذكر: صك، القهوة، وغيرها الكثير..أليس هذا دليل كاف على أن لغتنا الأجمل والأفضل، بما لها من فضل على لغات العالم..فهاهي لغتنا العربية تخاطبكم وتناجيكم، وتقول لي ولكم: أنا البحر في أحشائه الدر كامن..... فهل سألوا الغواص عن صدفاتي وأخيراً لنا أن نتخيل جميعاً، فيما لو رجعت حفيدة أيا منا من الخارج، وهي «ترطن» بالإنجليزية، كيف له أن يتكلم معها، وهو لا يتقن الانجليزية، وحتى ولو أتقن الانجليزية، فسوف تأتي له – وأنا معكم – بمفردات عصرية أكثر، تتناسب مع عصريتها هي.. والله المستعان..
|