[عثمان الثمالي]

أحمد الراجحي لـ"الاقتصادية":
الصناعات الغذائية تخسر مليار دولار بسبب الإغراق



- الحوار: فياض العنزي - 19/05/1428هـ
تعد الصناعة من أهم البدائل التي يمكن أن تسهم في تنويع مصادر الدخل الوطني، ورفع قيمة الناتج المحلي، وتقليص الاعتماد على النفط مصدر وحيد للدخل، غير أنه على الرغم من أهمية القطاع الصناعي في السعودية، والدعم الذي حصل عليه في بداياته والبنية التحتية الضخمة التي وفرتها الدولة، أصبح يعاني عددا من المشكلات والمعوقات التي تعود إلى أسباب عدة. وفي الحوار التالي أوضح لـ"الاقتصادية" المهندس أحمد بن سليمان الراجحي، رئيس اللجنة الصناعية وعضو مجلس إدارة غرفة الرياض, أن من أبرز المعوقات التي تواجه الصناعة الوطنية نقص الأراضي الصناعية المؤهلة، وكذلك عمليات الإغراق المتعمدة للسوق المحلية، وكذلك محدودية عدد المواصفات القياسية ومنافسة السلع المقلدة.

أعلن مجلس الوزراء أخيرآً عن نظام التجمعات الصناعية، فما انعكاسات القرار على مستقبل الصناعة الوطنية؟
إن الاستراتيجية الصناعية للسعودية رسمت مساراً متفائلاً للصناعة الوطنية، حيث ركزت على تطوير الصناعات الحالية وإنشاء تجمعات صناعية استعداداً لفترة ما بعد النفط.
ومما لا شك فيه أن نظام التجمعات الصناعية مطلب وطني ونحن كصناعيين أول المطالبين به وذلك بهدف إنشاء تكامل صناعي بيني يهدف في المقام الأول إلى السيطرة على عنصري الوقت والتكلفة وهما المحددان الرئيسيان في النمو الصناعي، فضلاً عن أن مناطق التجمعات الصناعية سوف تخلق تنمية إقليمية تسارع في عمليات التنمية المستدامة.
ولكن يجب ألا ينصب كل اهتمامنا في التجمعات الصناعية الجديدة وننسى ما تعانيه المدن الصناعية القائمة من مشكلات تحتاج إلى التفاعل معها وسرعة معالجتها.

كانت هناك مطالب من الصناعيين بوجود نظام لمكافحة الإغراق وبعد إقرار نظام الإغراق الخليجي لم يتقدم أحد بدعاوى إغراق حتى الآن فما الأسباب؟ وهل السوق المحلية أو بعض الصناعات المحلية تتعرض لعمليات إغراق متعمدة؟
إن عمليات الإغراق واحدة من أهم معوقات النمو الصناعي وبعد إقرار نظام مكافحة الإغراق الخليجي كنا نتوقع تفعيل آليات تنفيذه فضلاً عن توعية الصناعيين الخليجيين بإجراءات دعوى الإغراق، حيث إنه ليس بالسهولة عليهم إثبات وجود إغراق على الرغم من وجوده، وذلك يرجع إلى النقص الشديد في الكوادر القانونية المتخصصة في عمليات الإغراق.

وهل السوق المحلية أو بعض الصناعات المحلية تتعرض لعمليات إغراق متعمدة؟
نستطيع القول إن عدد ليس بالقليل من الصناعات المحلية يتعرض لعمليات إغراق وهذا يعني أن السوق السعودية من الأسواق المستهدفة، ويجب أن تتضافر جميع جهود المجتمع الصناعي لمواجهة هذا التحدي لأن خطر الإغراق يتعدى حدوده الاقتصادية خاصة إذا كان الإغراق من سلع ومنتجات متدنية الجودة.

هل أدت عمليات الإغراق التي تتعرض لها السوق إلى منع قيام صناعات محلية بسبب الإغراق، وما تلك الصناعات؟
نعم نتيجة طبيعية للسياسات الإغراقية أن ينخفض الإنتاج بشكل حاد ويؤثر ذلك في الحصة السوقية والأرباح والإنتاجية وعائد الاستثمار مما يعني توقف المصانع القائمة وإحجام المستثمرين عن إنشاء مصانع جديدة، وأقرب مثال لذلك صناعة الملابس.

كم تقدرون حجم خسائر الصناعات المحلية من عملية الإغراق ؟
قررت بعض الدراسات الخسائر الناتجة عن الإغراق في قطاع الصناعات الغذائية فقط بنحو مليار دولار، وهذا يعني أن الصناعات المحلية تتحمل آلاف الملايين من الريالات نتيجة سياسات الإغراق التي تنتهجها بعض الدول والمستهدف منها السوق السعودية، الأمر الذي ينعكس أثره في معدلات النمو الصناعي والذي يؤثر بالطبع في خطط التنمية للدولة.

تعد السعودية من أكبر الدول الصناعية في منطقة الخليج والمنطقة، غير أن عدد المواصفات القياسية لايزال أقل من المأمول فهل ترون ضرورة لزيادتها وما تأثيرها في حماية الصناعة المحلية ؟
نعم عدد المواصفات والمقاييس السعودية لا يزال أقل من المأمول، ولقد قامت الهيئة بإعداد 1500 مواصفة جديدة في الفترة الماضية، وهي في طريقها لإعداد المزيد من المواصفات بما يتناسب ومتطلبات الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، ولك أن تعلم أن عدم وجود مواصفة لكثير من السلع يساعد على دخول سلع مقلدة تكلف المملكة أكثر من عشرة مليارات ريال سنويا.
ونحن نأمل أن يتم تحديث نظام القياس والمعايرة ليواكب التطورات الإقليمية والدولية حيث إن هذا النظام مضى على إعداده أكثر من 40 عاماً وهو في حاجة ماسة إلى التحديث في ضوء المستجدات الراهنة.

لا يزال مصنعو البلاستيك يعانون وجود صناعات بلاستيكية يتم إنتاجها من قبل ورش صناعية بمواصفات وجودة أقل فما الجهود التي قامت بها اللجنة الصناعية في غرفة الرياض للقضاء على هذه المشكلة ؟
اللجنة الصناعية في غرفة الرياض تعمل جاهدة للحد من هذه الظاهرة، بل القضاء عليها من خلال التثقيف المستمر لكل من المصنًع والمستهلك، وتوضيح خطورة هذه المنتجات على المستهلك وعلى الاقتصاد الوطني، ولكونها ظاهرة قائمة فإن الجهود يجب أن تتضافر في سبيل القضاء عليها بدءآ من إعداد مواصفات لجميع المنتجات البلاستيكية ثم تفعيل تنفيذها وتشديد العقوبات على مخالفيها.

هل تعتقدون أن نقص العمالة المدربة والتي تعد من أهم عوامل الإنتاج تمثل عائقآ لنمو الصناعة الوطنية؟
هذا الأمر لا يشك فيه أحد فإن توافر العمالة المدربة يمثل أحد أهم روافد الصناعة الوطنية ومن دونه تضطر المؤسسات والشركات الاستعانة بخبرات وعمالة خارجية وما يترتب على ذلك من هجرة المرتبات إلى خارج المملكة.
وعلينا مراجعة السياسات التعليمية بحيث تتواءم مخرجاتها مع احتياجات القطاع الصناعي، مما يجعله قادراً على توظيف هذه المخرجات، وحتى يمكننا من خلق كوادر قادرة على مسايرة التطورات التي تحدث في المجالات الصناعية. وعلى الجانب الآخر فإنه يجب أن يقبل العامل السعودي التحدي بحيث يكون قادراً على تشغيل وصيانة الآلة مستخدماً السلوك المهني السليم والذي يؤدي إلى جعل القطاع الصناعي قادراً على الوفاء بالتزاماته التعاقدية تجاه مستهلك منتجاته، والتشغيل المستمر للمنشأة حتى تحقق الربحية المطلوبة، وبالتالي توفير الاستمرارية في الإنتاج الصناعي والأمان الوظيفي للعاملين فيها.

واجهت المصانع المحلية في مدينة الرياض مشكلة قطع الكهرباء في الصيف الماضي، فهل تتوقعون عودة المشكلة في الصيف الحالي، وهل توصلتم إلى تسوية لحل هذه المشكلات مع الشركة السعودية للكهرباء؟
نأمل ألا تتكرر هذه المشكلة في الصيف المقبل، وقد ناقشنا هذا الموضوع أكثر من مرة مع شركة الكهرباء، وقد تعهدت الشركة ببذل أقصى جهدها لتفادي مثل هذه المشكلة مرة أخرى من خلال التجديد المستمر لمحطات التوليد وصيانتها بشكل مستمر، كما تم تكوين فريق عمل بين اللجنة الصناعية وشركة الكهرباء لمحاولة معالجة النقص المتوقع في الصيف الحالي، وقد وعدت الشركة بأن يكون الصيف المقبل هو آخر صيف يمكن أن تواجه فيه هذه المشكلة نظراً للتوسعات الكبيرة التي قامت وتقوم بها حالياً.

تعمل وزارة التجارة والصناعة على تنفيذ الاستراتيجية الصناعية الوطنية، وهي تبدو إستراتيجية طموحة لرفع مشاركة الصناعة في مجمل الناتج المحلي فما أبرز المعوقات التي سترون أنها تحد من نجاحها؟
لقد أعدت وزارة التجارة والصناعة استراتيجية طموحة الهدف منها وضع النشاط الصناعي في مكانته التي يستحقها، ولتحقيق هذه الاستراتيجية فإن الأمر يتطلب من الدولة توفير المخصصات المالية التي طلبتها الوزارة لأنه وكما تعلم من دون المخصصات المالية المطلوبة تكون الاستراتيجية مشلولة ولا تحقق أهدافها، كما أن الوزارة عملت بطريقة احترافية لتجهيز وإعداد هذه الاستراتيجية واللجنة الصناعية بدورها شاركت بفاعلية كبيرة في هذا الموضوع، حيث قامت بزيارة العديد من الدول للاطلاع على تجاربها في هذا المجال ومن ثم دراستها، والاستراتيجية الحالية هي محصلة خبرات متنوعة داخلية وخارجية، وهي نتاج جهد مشترك من الوزارة والخبراء في هذا المجال لتخرج إستراتيجية تحقق آمال الجميع وطموحاتهم، ويتبقى القبول لدى الجهات العليا.

لا تزال هناك أزمة الأراضي الصناعية المطورة فهل ترون في المستقبل القريب آلية لحل هذه المشكلة التي تؤرق المستثمرين؟
القطاع الصناعي ونتيجة لمعدل النمو المتسارع فيه يواجه الكثير من العوائق والتي من أبرزها توافر المكان الملائم لإقامة مشاريعه واستيعاب أنشطته، فقد خصصت الدولة في وقت مضى ما يزيد على 475 مليون متر مربع من الأراضي الصناعية في 28مدينة صناعية منتشرة في مناطق المملكة، إلا أنه لم يطور منها سوى تسع مدن صناعية فقط، لا تمثل مساحتها سوى 9 في المائة من إجمالي مساحة الأراضي الصناعية المخصصة لهذا الغرض، ومنذ ذلك الحين لم يتم التوسع في المدن الصناعية القائمة أو توافر المزيد منها، وهذا ما أدى إلى نشوء أزمة كبيرة في المدن الصناعية قاد إلى تعطيل الاستثمار في المجال الصناعي، حيث بلغت قائمة الانتظار للحصول على أراض صناعية نحو 600 طلب تقدم بها العديد من المستثمرين الصناعيين.
وفي الآونة الأخيرة بدأت هيئة المدن الصناعية تسير بخطوات جادة لتحقيق وإنشاء وتهيئة مدن صناعية خصوصاً في الأماكن التي يوجد بها عجز مثل: الرياض، جدة، والدمام ونتمنى أن ترى النور قريباً لتحل مشكلات المدن الصناعية بشكل نهائي.

هناك تسرب لبعض الاستثمارات الصناعية المحلية وتحولها إلى بعض الدول المجاورة فما الأسباب؟
في الفترة الماضية شهدنا تحول بعض الاستثمارات المحلية إلى دول مجاورة، وفي وجهة نظري يرجع ذلك إلى عدة أسباب من أهمها: سهولة الإجراءات في هذه الدول مقارنة بالمملكة، انتعاش بعض الأسواق في هذه الدول والذي شهد في بعضها طفرة كبيرة أغرت العديد من المستثمرين بالتوجه إليها، توافر مدن صناعية كاملة الخدمات بما يسرع من إنشاء المصانع، الامتيازات العديدة التي توفرها هذه الدول للمستثمرين، وسهولة الحصول على تأشيرات للعمالة.

في ظل انفتاح الأسواق العالمية أصبحت الحماية الجمركية للصناعات المحلية في حكم الماضي فما البدائل المتاحة لحماية الصناعة الوطنية وحماية الصناعات الناشئة؟
البدائل كثيرة ولكن أهمها: إنشاء كيانات صناعية كبيرة من خلال اندماج المصانع المتشابهة الإنتاج، الإسراع في إعداد المواصفات والمقاييس السعودية بما يغطي كل المنتجات، وزيادة عدد المختبرات ورفع كفاءة فنيي المعامل والمختبرات، الإسراع في إجراءات إنشاء هيئة تنمية الصادرات ودعمها من قبل الدولة لخدمة الصناعات المحلية بتوفير دراسات متخصصة عن الأسواق الخارجية، وتشجيع الصناعات المحلية على أن تتبني سياسة التصنيع التصديري.

تعد الصادرات الذراع القوية لنمو الصناعات الوطنية غير أن المصانع الصغيرة لا تجد الدعم الكافي للتوجه إلى الأسواق الخارجية، فما دور اللجنة الصناعية في دعم تلك المصانع؟
اللجنة الصناعية قامت ومازالت تقوم بدور ريادي في هذا المجال فهي الداعم الأول لهذه المصانع من خلال تشجيعها على الاندماج ومساعدتها على العمل بمبدأ الوفورات الإنتاجية، فضلاً عن الإسهام في تطور أجهزتها الإنتاجية والإدارية والتسويقية من خلال ورش عمل تهدف إلى تبادل الخبرات ذاتياً.

تأسيس عدد من الشركات البتر وكيميائية الجديدة هل ترون أنها ستسهم في نمو الصناعات التحويلية وفك احتكار شركة سابك للصناعات الأساسية؟
نعم وبلا شك فعلينا الاستفادة من مواردنا الطبيعية، وتأسيس مثل هذه الشركات سيسهم في نمو الصناعات التحويلية والمعتمدة على مخرجات هذه الشركات.
أما فيما يخص سابك فأعتقد أن لديها من المقومات الصناعية والميزات التنافسية التي تجعلها اللاعب الأساسي في هذا المجال ولسنوات مقبلة.