هل ستعكس سوق الأسهم السعودية معلومات قضية الإغراق؟ هل ستعكس سوق الأسهم السعودية معلومات قضية الإغراق؟ هل ستعكس سوق الأسهم السعودية معلومات قضية الإغراق؟ هل ستعكس سوق الأسهم السعودية معلومات قضية الإغراق؟ هل ستعكس سوق الأسهم السعودية معلومات قضية الإغراق؟
هل ستعكس سوق الأسهم السعودية معلومات قضية الإغراق؟
د. محمد آل عباس
اندلع الهجوم الصيني ـ الهندي بشكل مفاجئ – وبلا تنسيق إذا أحسنا الظن – على الشركات البتروكيماوية السعودية، وذلك باتهامها بالإغراق ومن ثم فرض رسوم حمائية للمنافسة. أقرت الهند ضريبة إغراق على منتجات ''البولي بروبلين'' لشركتي ''سابك'' و''المتقدمة''، بنسبة 185 في المائة على شركة سابك، و54 في المائة على ''المتقدمة''. وهذه نسب كبيرة ومؤثرة بلا شك، ولذلك لم تكن ردة فعل الدكتور عبد الرحمن الزامل رئيس مركز تنمية الصادرات السعودية مستغربة، حيث دعا إلى تحرك سياسي لمواجهة هذه الأزمة وعدم أخذ الأمور ببساطة أو ترك الشركات السعودية تناضل وحيدة في الميدان. لم يكن الجانب الحكومي السعودي (ولا الإعلامي) يتعامل بمستوى يتناسب وخطورة الوضع ولم تكن الشركات المعنية تقدم أي تصريحات برغم أنهما شركتان مساهمتان في السوق السعودية وفيهما استثمارات ضخمة من أموال المواطنين ناهيك عن الكثير من الموظفين والعاملين. كنت قد قررت أن أكتب مقالا لمعاتبة وزارة التجارة والصناعة على ذلك حتى أعلنت الوزارة رحلة الوزير لمناقشة هذه الأزمة وحلولها مع الهند، هناك فقط شعرت أن الأمور بدأت تأخذ مسارها الصحيح وبدأنا نتعامل مع القضية بمستواها الحقيقي.
لماذا تحتاج هذه القضية إلى مباشرة الوزير لحلها؟ المشكلة اتهام بالإغراق والذي يعني – ببساطة لغير المتخصص - أن تمتلئ السوق بالمنتج المُستورد حتى الغرق. وللقيام بذلك تخفض الشركات الأجنبية الأسعار حتى مستوى لا يمكن منافسته (قد تتحمل بعض التكاليف مقابل هذه الحملة العدوانية لكنها في المقابل ستفوز بحجم هائل من المبيعات) فلا يستطيع أي منتج منافس البقاء ليخرج الجميع من السوق وتبقى الشركة العدوانية المُغرِقًَة. هذا الأسلوب خطير جدا على المُصّنع المحلي (الوطني)، حيث سيفلس حتما لأنه لن يجد مشترين وسيخرج من السوق وتنهار الصناعة المحلية تماما ثم تختفي ليسيطر المنتج المُستًورد وتبقى السوق تحت رحمته. لذلك تحارب جميع دول العالم الإغراق وفي حال ثبت لها قيام شركة ما بذلك فإنها تفرض عليها رسوم وضرائب على منتجها الأمر الذي يجبرها على تعديل الأسعار لتعويض خسائر الضرائب وبذلك تفشل خططها وقد تتعرض إلى خسائر متراكمة مع الخسائر في حصص السوق.
إذا كانت الشركة متورطة فعلا في الإغراق فمن ''ضربته يداه فلا بواكي عليه''. لكن القضية أعقد إذا كانت الصناعة المحلية في الدولة المُستورِدة لم تستطع المنافسة لأسباب مختلفة وتكتشف الشركات المحلية أن من صالحها فرض رسوم على الشركة الأجنبية وهذا سلوك عدواني آخر ولكن باتجاه معاكس. تأتي الاتفاقيات الدولية لمنع مثل هذا الإجراء العدواني الذي يحد من المنافسة ومن التجارة العالمية ويصنع التكتلات الخطرة. ولكي تنجو الدولة من تهمة الإخلال بالاتفاقيات الدولية فإنها تدعي تعرضها للإغراق ومن ثم تفرض رسوم عالية على الشركة الأجنبية معتمدة في ذلك على صعوبة إثبات الإغراق وصعوبة نفيه. بذلك تواجه الشركات الأجنبية حرب تنافسية صعبه قد تفقدها السوق وتعرض مبيعاتها إلى انخفاض نتيجة سيطرة المحلي أو/ وتتعرض أيضا إلى ارتفاع في التكاليف نتيجة الضرائب المفروضة وبالتالي تخسر السوق بكاملها وينخفض دخل الشركة بشكل دراماتيكي وقد تتعرض للخسائر وهذا له أثره المباشر في سوق العمل وسوق الأسهم بوجه خاص، فهل تستطيع سوق الأسهم عكس هذه المعلومات على سعر أسهم الشركات التي تتعرض لقضايا الإغراق؟
نظريا سوق الأسهم هي مرآة الاقتصاد وسعر السهم يعكس التدفقات النقدية المستقبلية الناتجة من السهم (العوائد)، فنظريا يستطيع سوق الأسهم عكس مثل هذه القضايا على سعر السهم وذلك بالتخفيض (تصحيح سالب). ''ونظريا أيضا'' لو تم إثبات الاتهام بالإغراق على الشركات السعودية أو فشلت محاولات وزارة التجارة والصناعة في حل القضية وأقرت الصين والهند ضرائب قد تصل مدتها إلى خمس سنوات فإن الشركات السعودية قد تخسر حصصها في السوقين المهمين جدا (تصدر ''سابك'' ما نسبة 16 في المائة من إجمالي إنتاج الميثانول إلى الصين) وإذا أضفنا إلى ذلك الأزمة المالية العالمية والأزمة التي تمر بها صناعة البتر وكيماويات في العالم فإن تعرض الشركات السعودية لمثل هذا التصرف العدواني قد يؤثر في نتائج الأعمال بشكل حاد ومن ثم العوائد على حملة الأسهم (وكذلك السندات) فتظهر عمليات بيع تصحيحية وتنخفض أسعار هذه الشركات بشكل ملحوظ. هذا بشكل نظري بحت.
لكن ومنذ اندلاع هذه الأزمة ورغم أن نتائج مناقشات الوفد الوزاري للهند لم تتكلل بالنجاح (وأيضا المعلومات في هذا محدودة جدا ومن مصادر غير رسمية) في مؤشر خطير على تصعيد القضية إلا أن السوق السعودية استمرت تكافئ الشركات المعنية بل لم تقم بأي ردة فعل لتعكس هذه المعلومات. استمر سهمان: سهم ''سابك'' و''المتقدمة'' في المحافظة على اتجاه صاعد وهذا فيه دليل واضح على الكفاءة الضعيفة للسوق السعودية بل قد يكون دلالة قوية على انفصال السوق عن الاقتصاد وهي نتيجة تؤكدها الأحداث الاقتصادية التي تمر على المملكة منذ الفشل الواضح للسوق في الاستجابة للارتفاعات المتواصلة في أسعار النفط والتدفقات النقدية الهائلة التي نتجت عن ذلك.
ومع ذلك (ولأن سوق الأسهم ''نظريا'' تستجيب للمعلومات) فإنني أعتقد أن جزءا من أسباب الضعف الشديد لكفاءة السوق سببه طريقة وصول المعلومة الاقتصادية للمستثمرين. ما زالت نسبة كبيرة من التداولات في السوق هي تداولات أفراد ومعظمهم لا يجيد قراءة المعلومة الاقتصادية في شكلها الخام, كما أن هناك تعتيما شديدا على السوق (المستثمر البسيط) في قضية الإغراق. فالسوق (التي معظمها أفراد) لا تعلم الكثير عن حجم أعمال الشركات السعودية في الصين والهند ولا نتائج الضرائب المفروضة وإلى حتى تعلم نتائج مفاوضات الوفد الوزاري للهند ولا يوجد تصريحات واضحة ولا هناك تغطية إعلامية عميقة المهنية تبسط النتائج الاقتصادية لهذه القضية الكبيرة.
أخيرا لو سألني أحدهم عن توصية في هذه الحالة هل يبيع السهم أم يشتريه أم يحتفظ به، سأقول وبكل صراحة لا أعلم، ولكنني كمحلل سأنتظر القوائم ربع السنوية وخاصة بنود مثل الالتزامات المحتملة والتي يجب أن تعكس شيئا ما عن هذه القضية وسأنتظر بفارغ صبر تقرير مراجع الحسابات، ولكن في سوق الأسهم فإن انتظار مثل هذه القوائم يعني أن الطيور قد طارت بأرزاقها.