![]() |
![]() |
|
|
رقم المشاركة : ( 12 ) | ||
|
عضو
![]()
|
ففي يوم الخميس :( 17/3/1981مـ) الموافق لعام ألف وأربعمائة وواحد للهجرة النبوية: (1401هـ )
جاء موعد السماء مع الأم المجاهدة ، والداعية الراشدة : ( بَنَان الطنطاوي ). وكأنها تقول له: فقد جاءت الأخبار المشئومة إلى هؤلاء المجرمين بأن عصام العطار ربما كان مختبأً في بيت زوجته ( بنان الطنطاوي) . فأسرع هؤلاء السفَّاكون للدماء إلى ذلك البيت المتواضع الواقع في شارع « هِرِسْتالَر » الذي تقيم فيه بنان وحيدة بلا أهل ولا زوج ! وقاموا باقتحام منزل جارتها المسكينة، وأجبروها على الاتصال هاتفيًا بالمجاهدة بنان ، تخبرها أنها آتية إليها لتجالسها بعض الوقت، وتُؤانسها وحْدتها ! وسَرَعَان ما سمعَتْ بنانُ دقَّاتِ الباب تضرب في سمعها، فقامت كي تفتح الباب وتستقبل جارتها ، ولم تكن تعلم أن الموت ينتظرها خلف هذا الباب ، وأن الوعد الحق إذا نزل فُتِّحَتْ له الأبواب ! ولم تكن تدري أن جنات الخلد قد ازَّيَّنَتْ لها – إن شاء الله – وتعطَّرتْ. وأن شموع الأفراح قد أُوقِدَتْ ، وشموس الأنوار قد أشرقتْ ، وأن الصبايا الحور قد حضرتْ لزفاف العروس وهم في صفوف، وجاءت لتصعد بروحها الطاهرة إلى معارج السماء وهي بها تطوف. وأن ملائكة الرحمن قد أعدَّت موكبًا – إن شاء الله – لاسْتقبالها عندهم هناك؟ وما أدراك ما هناك ؟ حيث ما لا عينٌ رأتْ ! ولا أذنٌ سمعتْ ! ولا خَطَر على قلب بَشَر ! نعم: قد آنَ للجسد الضعيف أن يستريح ، ويسْكنَ منه ذلك القلب الجريح ! نعم: قد آن الآوان لأن تتوقف تلك الدموع ، ويطمئن ذلك الفؤاد الموجوع ! وهنا: جاء ميقات الأجل المحدود، ودقَّت ساعات ذلك اليوم الموعود المشهود. وقامت المجاهدة بنان بكشف ما بينها وبين راحة قلبها من الحجاب ، وفتحت بيدها مغاليق الباب فهجم عليها أولئك الأنْذال الأرْذال ! وقلبوا البيت رأسًا على عقِبَ في الحال ؛ بحثًا عن زوجها عصام ليقتلوه أمام عين امرأته التي لا تجد لها من دون الله موئلا ولا ناصرًا ! ولـمَّا لم يجد هؤلاء القَتَلة عِصَامهم ! عمدوا بأيديهم إلى تمزيق بَنَانِهم ! وأحاطوا بالمرأة الضعيفة وقد أسدلوا عليها أستار الأحقاد ! وغفلوا عن أنَّ عين الله تراقب أمثالهم من ظالمي العباد ! ثم تقدم إليها أشقى القوم ، وشَهَر مسدسه في وجه المرأة الوحيدة وهي تنظر إليه نظرة المظلوم إلى ظالمه ، والمقتول إلى قاتله ! ما ذنبي حتى يُرَاق دمي ؟ وما جريمتي حتى تستبيحون حُرْمتي ؟ وما هي جنايتي حتى تطأونَ رقبَتي ؟ وما هي جريرتي حتى تُيَتِّمُونَ ابني وابنتي ؟ وما هو جُرْمي حتى تُثْكِلُونَ أبي وأُمِّي ؟ وما هو سوء عملي حتى تذبحونَ بقتْلِي قلْبَ زوجي ؟ لكن تلك النظرات التي تعصر قلوب أهل الإيمان ، لم تكن بالتي تستطيع التأثير على أبناء الشيطان ومنْبع الظلم والطغيان ! وهنا : أطلق هذا المجرم الأثيم خمسَ طلقات متتابعات على جسد تلك المرأة المجاهدة . فاخْتَرَقَتْ بعض الطلقات: وجهها الأسيل الجميل ، ذلك الوجه الذي كانت دموع عينيه كثيرًا ما تتساقط على خدوده من خشية الله ، وحزنًا على المسلمين المضطهدين المعذَّبين هنا وهناك. ذلك الوجه الذي ما كان ينحني إلا لله وحده . ذلك الوجه الذي كانت تَتَراءى على قَسَمَاته أنوار السماحة والرحمة في أسمى معانيها. واخْتَرَقَتْ بعض الطلقات: جَنْبها وما تحت إبطها ، ذلك الإبط الشريف الذي طالما تأبَّطَ المعونات والحوائج إلى تلك الأُسَر البائسة التي لا عائل لها ! وذلك الجنْب الرقيق الذي كان يتجَافَى عن المضاجع والناس نيام في سُبَاتٍ عميق ! واخْتَرَقتْ بعض الطلقات: صدرَها الحنون الحزين ، ذلك الصدر الذي كانت تشتعل فيه دائمًا نيران الحسْرة على المشرَّدين والمطاردين هنا وهناك من أبناء المسلمين ذلك الصدر الذي كان قلْبه ينزف كل يوم على أحوال الموحِّدين . ذلك الصدر الذي كان يحتمَّل عظيم الأسَى والحزن ابتغاء مرضات الله وحده ذلك الصدر الذي ما كان يَئِنُّ ويشتكي إلا إلى خالقه . وبعد أن فرغ هذا القاتل الأجير من إنفاذ طلقات مسدسه في جسد ضحيته المغْتَرِبة الوحيدة ، وشاهدها وهي تسقط أمامه والدماء تفور منها كما يفور ماء القِدْرِ إذا أوْقَدتَّ عليه النار ! لم يكْفِه ما اقترفتْه يداه مما لا تغسله مياه الأنهار ! فقام يطَأُ ويدوس على قتيلة الإسلام بقدميه شديدًا ! كأنه يظن نفسه يطأُ كلَّ جسد باع نفسه لله ! وبذل مُهْجته ابتغاء مرضات الإله . وما زال هذا القاتل الأثيم يطأ جسد القتيلة المظلومة حتى فاضت روحها الطاهرة إلى بارئها تشتكي له ظلم عباده لها ولزوجها ! وتُخْبره – وهو أعلم – بقصة آلامها وأحزانها . وأقول أنا أبو المظفر السِّنَّاري كاتب هذه المقالة: والله ليست أجد عندي الآن، من المعاني والبيان ، ما أستطيع أن أصِف به ما يسكن في قلبي على تلك المرأة من المآسي والأشجان ! ووالله ما أكاد أدري كيف أتكلَّم ؟ ومتى كان لسانُ قلمي يُفْصحُ عن مكنون صدري وما لأجْله أتوجَّعُ وأتألَّم ! لقد كان مقتل تلك المجاهدة في نفس العام الذي كان فيه ميلادي ! فانظروا كيف أن الأحزان لا تزال تلاحقُني منذ مبْدأي ومعادي ؟ بَكَتْ عيني وحُقَّ لها بُكاها *** وما يُغْني البكاءُ ولا العويلُ ؟ ولو قيل لي الآن: ماذا تشْتهي ؟ لقلتُ مِنْ فَوْري: أشْتَهي - لو كنتُ في مدينة ( آخن ) الألمانية - أنْ آتي مقبرة « هُلْس » وأبحث عن قبر تلك المرأة الشريفة كي أدعو الله لها ، وأقوم على جَدَثِها باسْتذكار صبرها وجهادها ، ثم أقف على رأسها أبْكي حتى تَبِلَّ دموعي ما انتهتْ إليه من جسدي ، وأجد حرارتها ما بين قلبي وصدري . ليتتي كنت مع هؤلاء القوم الذين حملوا جنازتها على أعناقهم في يوم مشهود في قلب مدينة ( آخن ) الألمانية. لقد كان نبأ مقتلها عظيم الوقْع على المؤمنين في تلك الأوقات ، وقد سارتْ به الصحف السيَّارة ، وتناقلتْه الوكالات والمجلات والجرائد . حتى قام الشيخ عبد الحميد كشك المصري – وقد كان واعظ الدنيا في عصره – بإلقاء خطبة حزينة على آلالاف الناس ، يذكر فيها خبر تلك المرأة المجاهدة التي اغتالتْها أيادي الغدر والظلم والعدوان . وعلى هذا الرابط: تجد طرفًا من خطبة الشيخ كشك، يرحمه الله . http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=4902 ولقد وقع الوجوم والاكتئاب على وجوه صالحي العباد في تلك الأيام ، وحزنوا وبكوا على القتيلة المظلومة كأنها كانت بعض أقاربهم أو مَنْ يعرفون ؟ وإذا كانت أشجاني وأشجان غيري على تلك المرأة التي لم يروها ! ولم يعاشروها ! فضلا عن أن تكون لهم بها صلة الأرحام !هي بعض ما ذكرتُ لك ! فيا تُرى كيف كان حال أبيها عليها ؟ وهي التي كانت ريحانة حياته ، وزهرة أوقاته ، ونسمات إحساسه ومعانيه ، وشمس أيامه وقمر لياليه ؟ تابع البقية ... |
||
|
| مواقع النشر |
|
|
المواضيع المتشابهه
|
||||
| الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | الردود | آخر مشاركة |
| مقاله رائعه للشيخ علي الطنطاوي رحمه الله | بَنتْ الأصَآيلْ | الــمـنـتـدى الإسـلامــــــــي | 3 | 01-27-2008 04:36 PM |
| من جعبة الشيخ الفاضل على الطنطاوي رحمه الله | alsewaidi | الــمـنـتـدى الإسـلامــــــــي | 6 | 12-17-2007 01:58 AM |
| هناك اشياء قد لا يعرفها الرجال عن المراة...ها هي | جداوي | الــمـنـتـدى الـعـام | 5 | 08-01-2007 12:32 PM |
| 40 سر من أسرار الـWinXP - قليل من يعرفها | احمد السالمي | منتدى الكمبيوتر والأنترنت | 4 | 02-02-2007 04:02 PM |
| معلومات قليل من يعرفها ...... | بنك المعلومات | منتدى الاستراحـة | 8 | 11-21-2005 01:06 PM |
|
|
|
|