ليس في الإسلام بابا ليس في الإسلام بابا ليس في الإسلام بابا ليس في الإسلام بابا ليس في الإسلام بابا
ليس في الإسلام بابا
د. عائض القرني
أتى الإسلام بالحق والصدق، وإكرام الإنسان، وإنزال الناس منازلهم، وحارب الخرافة والوثنية والغلو، ومن ذلك أنه جعل العظمة والكبرياء والجبروت لله وحده، حتى رسولنا صلى الله عليه وسلم كان يقول: «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم، إنما أنا عبد الله ورسوله، فقولوا عبد الله ورسوله»، وكان يغضب إذا غلا أحد في مدحه، وعرف الصحابة ذلك، فعاشوا في وضوح وصراحة، موحدين ربهم عارفين حق رسوله صلى الله عليه وسلم، سالمين من الغلو والإطراء، حتى يقول ابن عباس لبعض الناس ممن غلا في أقوال أبي بكر وعمر: يوشك أن تنـزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال الله ورسوله، وتقولون: قال أبو بكر وعمر، فخلف من بعدهم خلف عبر القرون غلوا في المشايخ والزعماء والأولياء فقدسوهم، ومنهم من طاف بقبر الشيخ والولي، وطلب منه المدد والغوث وقضاء الحاجات، وتفريج الكربات، وهذا شرك صريح وضلال واضح، ومنهم من أخذ كلام شيخه كأنه قرآن يتلى، وساعده في ذلك قبول المشايخ لهذا الغلو وسكوتهم على هذا المنكر، حتى إني رأيت من شيوخ الضلالة من يقبل أتباعُه قدميه وركبتيه ويديه ورأسه وهو مطرق كأنه حية رقطاء، ومن الأتباع من ينظم القصائد الغالية في شيوخه ويعطيهم بعض صفات الألوهية، بل الربوبية: (قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ)، وذكر الذهبي أن بعضهم يقول: لا يفلح من قال لشيخه: كيف؟ أو لماذا؟ يعني المقصود أن يكون الأتباع: (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ).
ونحن في الإسلام نقدر العلماء ونحترمهم ونجلهم، ولكننا لا نغلوا في حبهم، ولا نجعل أقوالهم نصوصا قاطعة، بل نعرض أقوالهم على الكتاب والسنة، وعجبي لا ينتهي من أناس إذا حاورناهم في مسألة وعرضنا لهم الدليل جادلونا بكلام الشيخ كأن كلامه وحي منـزل، وهذا الغلو الذي تعيشه الأمة ناتج عن ضعفها وهزالها وغثائيتها، وقد سرى هذا الغلو في الجانب العلمي والسياسي والاجتماعي، فنجد كثيرا من الدول نُسي اسم الدولة وأُهمل الوطن كله ورُكز على اسم الزعيم فقط كيف يتحدث؟ كيف يأكل؟ كيف يشرب؟ كيف ينام؟ كيف يستيقظ؟ كيف يبتسم للجماهير؟ فصار الإعلام والتعليم مشغول بهذا الرمز والقائد الضرورة، والمهيب الركن، وفارس أحلام الأمة، وبركة العصر، وباني أمجاد الأولين والآخرين، وسر الله في العالمين، وصار الغلو إلى أن وصل الشرك في الأولياء فصاروا يتبركون بشعرهم وأظفارهم وملابسهم وبصاقهم ونفثهم في الماء والزيت، ومسح قبورهم، والطواف بأضرحتهم، فانطمس نور التوحيد، وذهب جمال الدين الخالص، وانطفأت أنوار الرسالة، وذهبت بهجة الإسلام، وسكت كثير من العلماء عن هذه المنكرات، وقد زرت مسجد الحسين قبل عشرة أيام فوجدت والله ما أبكى العين، رقصٌ في ليلة المولد التي ليس عليها دليل، وغناء وموسيقى بجانب المسجد، وضرب للصدور، وصياح ونواح، ونداء وصراخ وهم يهتفون: يا جد الحسين أغثنا، فبالله عليكم هل هذا من الإسلام، وهل عليه دليل من الكتاب والسنة، أم هو الشرك والضلالة والخرافة، ووالله لو شاهدهم أحد من غير المسلمين لسخر منهم واستهزأ بهم ومج الإسلام ونفر من الدين، لقد جرد الرسول صلى الله عليه وسلم التوحيد لله، وحده وحمى جنابه، وقطع كل وسيلة شركية أو بدعية تصل إليه حتى في الألفاظ، فقد أنكر على الأعرابي الذي يقول: ما شاء الله وشئت، فقال له: ويحك أجعلتني لله ندا؟ بل ما شاء الله وحده، وقال صلى الله عليه وسلم وهو في سكرات الموت: «اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد»، فيا أيها المسلمون أخلصوا التوحيد لربكم، واخرجوا من ظلام الشرك والبدع والخرافة، ولا تغلوا في دينكم، ولا تقدسوا مشايخكم حتى ولو كانوا أتقياء بررة، فحق العالم والشيخ التقي الصادق أن يوقر ويحترم وينـزل منـزلته على أنه بشر يأكل الطعام ويمشي في الأسواق، وقد يصدر منه الخطأ والذنب، أما هذا العبث الذي يجري في العالم الإسلامي من نصب بابوية في كل مكان، والإعلان عن مشيخة في كل مدينة، فهو منهج إبليسي ومذهب شيطاني فعلته الأمم الضالة قبلنا، واتبعهم جهالنا كما قال صلى الله عليه وسلم: «لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه». أرجو أن نعود لمصدر التلقي الصحيح؛ الكتاب والسنة، ونقرأ سيرة سلف الأمة من الصحابة والتابعين، ونعود عودة صادقة إلى العقيدة الصحيحة والدين القويم، ونطهر عقولنا وأرواحنا من رجس الخرافة، ومن نجاسة الوثنية، ومن دنس الشرك، ومن درن البدعة: (وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ).