رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||
|
|||||||||
إذا لاح الوداع>>>>
إذا لاح الوداع>>>> إذا لاح الوداع>>>> إذا لاح الوداع>>>> إذا لاح الوداع>>>> إذا لاح الوداع>>>>إذا لاح الوداع الجمعة 26 اغسطس 2011 كلما لاح الوداع، وحزم ضيفنا الكريم أمتعته، وامتطى راحلته في رحلة الفراق المعهودة، خلَّف كالعادة قلوبًا محملة بالأسى، ودموعًا حبيسة المآقي وأخرى تجري على الخدين. وما من محب لرمضان وعارف لقدره إلا ويشعر كأنه يتيم بهذا الرحيل المر، فسوق الخير قد انفض، ربح فيه من ربح وخسر فيه من خسر، ترى من الفائز فنهنئه ومن الخاسر فنعزيه، فاللهم اجبر كسر قلوبنا على فراق شهرنا. عند الصباح يحمد القوم الثرى: شهر تحبس فيه النفس على طاعة الله وعن معصية الله، لهو معلم التقوى، وما إن يقوم الإنسان بحق هذا الشهر وصيامه حتى ينال الجائزة الكبرى ألا وهي تقوى الله عز وجل، والتي هي غاية الصيام. سيجني الحصاد بعد رمضان، سيكون الحصاد تقوى تظهر في اجتنابه المعاصي، فما التقوى إلا أن يجعل العبد بين وبين الله وقاية تقيه غضبه وعقابه، ويعرفها طلق بن حبيب بقوله: (التقوى: أن تعمل بطاعة الله على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله، تخاف عقاب الله) ، تلك التقوى التي ستضبط سلوكياته وتعاملاته مع الخالق والخلق، حينئذ سيحمد جده واجتهاده في رمضان، وعند الصباح يحمد القوم الثرى. ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها: اسمها ريطة بنت سعد، كانت تغزل طول يومها غزلًا قويًّا محكمًا ثم تنقضه أنكاثًا، أي: تفسده بعد إحكامه، فقال تعالى:{وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} . إن الذي مكث شهر رمضان يغزل ثوب الإيمان، حتى إذا بدا بهاؤه وحسن تماسكه، نقضه بعد رمضان، لهو أشبه الناس بـ "ريطة بنت سعد"، كيف يضيع الإنسان جهده وكده وسعيه، ويهدم ذلك الصرح الذي بناه طوال هذا الشهر العظيم. ترى هل ستجافي المساجد التي عمرتها بطاعة الله في رمضان؟ هل ستشكوك صلاة الفجر التي حافظت عليها في رمضان؟ هل ستفر من الصحبة الصالحة التي كانت لك خير معين في رمضان؟ هل تنطلق جوارحك من جديد إلى ما لا يرضي الله بعد أن صومتها في رمضان؟ فهلَّا حافظ الشاب الميمون على غزله فلا ينقضه. المصرون على الهلاك: يقول عنهم ابن رجب رحمه الله: (السفهاء يستثقلون رمضان لاستثقالهم العبادات فيه من الصلاة والصيام، فكثير من هؤلاء الجهال لا يصلي إلا في رمضان إذا صام، وكثير منهم لا يجتنب كبائر الذنوب إلا في رمضان، فيطول عليه ويشق على نفسه مفارقتها لمألوفها، فهو يعد الأيام والليالي ليعودوا إلى المعصية، وهؤلاء مصرون على ما فعلوا وهم يعلمون، فهم هلكى، ومنهم من لا يصبر على المعاصي فهو يواقعها في رمضان) . فلا يكن همك بعد رمضان أن تعود لما حبست نفسك عنه في رمضان، فإن فعلت فاعلم أنك لم تصم، فإنك إن صمت بحق تحققت فيك التقوى التي تردعك، والله تعالى يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} ، فإن عدت إلى الزيغ بعد استقامتك في رمضان فارث نفسك ألا يكون الله قد تقبل منك. رباني لا رمضاني: (باع قوم جارية قبيل رمضان، فلما حصلت عند المشتري قال لها: هيئي لنا ما يصلح للصوم، فقالت: لقد كنت قبلكم لقوم كل زمانهم رمضان) . إنها جارية ربانية يستوي عندها الزمان، فخالق الشهور واحد، وكذا كان القوم الذين باعوها، وهكذا ينبغي أن تكون أنت، تكون ربانيًّا لا رمضانيًّا، فرب رمضان هو رب شوال وباقي الشهور، تعبده وحده وتتوجه إليك بكيانك وتقبل عليه بالطاعة وتتقي سخطه وعذابه وتتسابق في مرضاته. فإن الله حي لا يموت: لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفزع الصحابة وروعهم الخبر، قام أبو بكر الصديق رضي الله عنه، لكي يسجل له التاريخ ذلك المشهد الخالد الذي قال من خلاله: (من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت) . ثم قرأ قول الله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} . هكذا يؤكد الصديق رضي الله عنه على أن يكون تعلق الإنسان بالله تعالى الذي لا يفنى ولا يبيد، وإنما كان رسول الله ليؤدي مهمة جليلة مات بعدما أداها وهي تبليغ هذه الرسالة الخالدة، فحق عليه قول ربنا: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} . ومن هذا المنطلق نهيب بك أن: لا يكن تعلقك برمضان بقدر ما يكون تعلقك برب رمضان، إن كان رمضان يعينك على الطاعة ويشخذ همتك لها، فإن الذي يمدك بالعون في رمضان وغيره حي لا يموت، ونحن نقتبس من قول الصديق رضي الله عنه ما ننصح به أخانا: إن كان رمضان قد رحل وانقضى فإن الله حي لا يموت. كيف تثبت بعد رمضان؟ هناك ثلاثة حبال أيها الشاب، يجب أن تتمسك بها لكي تثبت بعد شهر رمضان، وهي: الحبل الأول ـ ففروا إلى الله: فهو سبحانه القادر بعفوه وكرمه على حماية عبده، شريطة أن يتقن فن الفرار إليه، والانطراح بين يديه، معترفا بذله وفقره لربه، بعد إذ خلقه ضعيفًا ظلومًا جهولا، فلا يملك من سبيل للنجاة من كل تلك العوائق إلا بعون من القوي المتين. إذ (كيف يَسلَمُ من له نفس أمارة بالسوء، ودنيا متزينة، وهوى مُردٍ، وشهوة غالبة له، وغضب قاهر، وشيطان مزين، وضعف مستول عليه، فإن تولاه الله وجذبه إليه، انقهرت له هذه كلها، وإن تخلى عنه ووكله إلى نفسه اجتمعت عليه فكانت الهلكة) . وإنما يكون ذلك الفرار إلى رب العالمين، بصدق اللجوء إليه، وذل التضرع بين يديه، كما علمنا نبينا صلى الله عليه وسلم الذي كان يقول: (اللهم آت نفسي تقواها، زكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها) . الحبل الثاني: حاملو المسك: فلا غنى لشاب اجتهد في شهر رمضان ويريد الثبات بعده عن صحبة الخير، الذين أوصى الله تبارك وتعالى بصحبتهم فقال: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} . وهم رفقة الآخرة، الذين يعينون الشاب بعد رمضان على إتمام نوره، بما يكون بينهم من تعاون على البر والتقوى، وتناصح في الله، وتواص بالحق وتواص بالصبر، شبه النبي صلى الله عليه وسلم الواحد منهم بحامل المسك، فهو (إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحًا طيبة) . الحبل الثالث ـ زارع الخير: وهو المعلم المربي الذي يأخذ بيديك إلى طريق ربك، يبني فيك جوانب الخير، ويدلك على عيوب نفسك وآفاتها، بما آتاه الله من علم وبصيرة، تماما كما فعل نبينا صلى الله عليه وسلم مع صحبه الميامين، وكما فعل هذا الرهط المبارك مع جيل التابعين، وما زال رواد الطريق إلى الله في كل زمان يتوارثون تلك الصناعة النبوية في كل زمان، وحتى تقوم الساعة. لكن هذا المربي الذي تلزمه يجب أن يكون صاحب مؤهلات خاصة تؤهله لتلك الصناعة الجليلة، وأهمها أن يكون مثلا حيًّا تتفجر من قلبه ينابيع الخير ويتصف بما ذكرنا لك من صفات من استقامة في العبادة وخلق رفيع ودأب على العمل والإنتاجية وصناعة الحياة ويحمل السمت الجدي في حياته ويعيش آلام الأمة ومآسيها، فإن من لا ينفعك لحظه، لم يفدك لفظه. إلى من حصد الأشواك: إلى كل من مر عليه رمضان من غير غنيمة، وأدرك أنه قد حرم، وندم على تفريطه في جنب الله، إلى هؤلاء نقول: لا تبك على اللبن المسكوب، فانفض عنك غبار اليأس، وأعد نفسك من اليوم لاستقبال رمضان القادم، كما كان يفعل أسلافك الصالحون، واجعل من سائر أيامك رمضان. فإن كنت بكيت على تضييع الصيام في رمضان سواء لم تصم أو صمت ولم تحسن صيامك، فإن أمامك صيام الاثنين والخميس وثلاثة من كل شهر، أتقن صيامها يجزيك الله بعطائه الخاص للصائمين. وإن كنت قصرت في القيام وأهملت العشر الأواخر، فقم الليل وحافظ عليه واجعل لك من وقت النزول الإلهي مغنمًا ونصيبًا. وإن تهاونت في التعامل مع كتاب الله، فما زالت الفرصة سانحة أمامك لكي تقبل على القرآن تلاوة وتدبرًا وحفظًا وعملًا به. وادع الله بأن يبلغك رمضان وتكون فيه من المقبولين الفائزين، وقدم لذلك توبة نصوحًا لله رب العالمين، توبة تبدأ في ظلالها عهدًا جديدًا مع الله تعالى. المصادر: · التبصرة، لابن الجوزي. · زاد المهاجر، ابن قيم الجوزية. · لطائف المعارف، ابن رجب. |
مواقع النشر |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | الردود | آخر مشاركة |
الوداع | أبوخالد | الديوان الأدبي | 8 | 12-07-2009 07:47 AM |
النخاع العظمي وزرع النخاع | روزالينا | الـصـحـة و التغذية | 1 | 01-29-2009 09:00 PM |
صمت الوداع | ابتهاج | الديوان الأدبي | 3 | 10-24-2008 11:09 PM |
الوداع وأنواعـــه | العميد15 | الــمـنـتـدى الـعـام | 0 | 08-23-2007 05:47 AM |