عفوا يا والدي الكريم لم أتخيّل يوما ما بأني سوف أكلمك بتلك الطريقة، وأن يرتفع صوتي قليلا على صوتك، فما إن وعيت على هذه الدنيا وأنت الذي تأمرني وتنهاني ولا أعصي لك أمرا أبدا، وأن أستنير بشورك ورأيك السديد، فقد ربيتنا على السمع والطاعة ليس بالقسوة وإنما بالمحبة والرحمة، والدي الكريم لم تعد تسمع كلامي كما كنت من قبل وحتى سمّاعة الأذن التي رافقتك ردحا من الزمن لم تعد كذلك تسعفك لسماع صوتي.
فقد كنت يا والدي عندما تسمع صوت سيارتي وأنا قادم من السفر تستقبلني خارج البيت مبتسما بوجهك المشرق ومرحباً بي وقد مسحت عن كاهلي وعثاء السفر، واليوم يا والدي لم أرك تغادر مكانك فقد عرفت السبب، وكنت تسمع حتيت السحاب وصوت المطر وتخيّل السحاب فتبتهج بهذا الخير وتشكر الله وتنظر من النافذة ولكني أراك اليوم لم تستطلع الخبر، نعم يا والدي فقد رافقتني ذات عشيّة بالسيارة لنشاهد السيل ونستمتع بتلك الأجواء العليلة الماطرة بعد أن منّ الله علينا ورزق البلاد والعباد بهذا الخير وكنت مسرورا بتلك الأجواء وتكلمني وأنا أستمع إليك بشغف، فقد كنت بحراً غزيرا من التجارب وجبلا أشما من العواطف كما عهدتك ياوالدي، وكان حديثنا من طرف واحد فقط وكنت مرارا تجاملني بأنك تسمع كلامي وتهز رأسك بأنك تسمعني وتفهم ما أعني ولكن هيهات يا أبي لا أعتقد بأن المقصود قد وصلك، ولم يعد ذلك الصديق الذي رافقك عقودا طويلة وأنت تأنس به في وحشة الليل وأطراف النهار ويخبرك عن أحوال العالم أراه اليوم مرفوعا على الرف.
وأرى الحزن بدأ يغشى محيّاك ويلقي بظلاله على نبرة صوتك ودمعة عينيك وتعاملك معنا ولكن يا أبي أرجوك إسمعني لأقول لك كلمة شكر وتقدير على مابذلته وما تبذله طوال عمرك في خدمتنا، ونحن اليوم وإن فقدنا بعض التواصل معك في هذه المرحلة من العمر لكننا يعلم الله أننا لم نفقد الحب ولم نفقد الشوق ولم نفقد البر ولم نفقد الدعاء، فأدعو الله تعالى أن يجزيك خير ما جزى والد عن أسرته وأن يرزقنا برك على ما قدمته في سبيل راحتنا، وعزاؤنا الوحيد في فقد السمع لديك هو أنه كم وكم أنصت إلينا وسمع أنيننا ولبى إحتياجاتنا ولا أعتقد بل أجزم أنه لم يكلّ إلا من كثرة ما إستجاب لنا على مدى عقودا طويلة فندعوا الله تعالى أن يكون شاهدا لك لا شاهدا عليك، وحجة لك لا حجة عليك ورفعة في ميزان حسناتك يوم الدين بإذنه تعالى، آمين،،،
[YOUTUBE]5O0rvyA3c5k[/YOUTUBE]