الانتقال للخلف   منتديات بلاد ثمالة > الإسلام والشريعة > الــمـنـتـدى الإسـلامــــــــي

 
إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 01-06-2007
الصورة الرمزية أبو علي
 
أبو علي
ذهبي مشارك

  أبو علي غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 183
تـاريخ التسجيـل : 08-11-2005
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 1,660
آخــر تواجــــــــد : ()
عدد الـــنقــــــاط : 10
قوة التـرشيــــح : أبو علي
افتراضي "الجهاد الأكبر".. بعد الحج

"الجهاد الأكبر".. بعد الحج "الجهاد الأكبر".. بعد الحج "الجهاد الأكبر".. بعد الحج "الجهاد الأكبر".. بعد الحج "الجهاد الأكبر".. بعد الحج

"الجهاد الأكبر".. بعد الحج
عاد الحجيج من رحلتهم الإيمانية الرائعة، فرحين بما أتاهم الله من فضله، آملين أن يكونوا ممن شملهم الله بعفوه وغفرانه، وأن يبقوا على رقيهم الأخلاقي، ولا يلوثوا صحفهم ثانية بأحبار الذنوب، بعدما عادت بيضاء كأن لم يُكتب فيها شيء.
ويقع بعض الحجاج في حيرة من أمرهم بعد العودة، كيف يحافظون على حجهم؟ وكيف يستثمرون طاقتهم الإيمانية، ليستمروا في إصلاح نفوسهم، وضبط سلوكهم. فـ"الحاج السعيد" هو من يفوز في معركة ما بعد الحج؛ مع نفسه وشيطانه؛ فهي الاختبار الحقيقي.
ولا يسمح الحاج السعيد بأن يتسلل إليه غرور الطاعة، بل يسعى إلى مزيد من التقرب إلى الله عز وجل، كأنه حصل على منحة "إيمانية" في الحج، لا يكتفي بعد العودة بما تزود به في رحلته، إنما يكافح من أجل المزيد من القرب.
لا يعود لصحائفه السيئة، رغم مقاتلة الشيطان اللعين له، كي يفسد عليه مكاسب الحج، ويحرمه من أي فرصة للاستزادة، ويدفعه إلى التراجع اللعين. يخشى أن يقابل ربه، وقد حصل فرصة التطهر من الذنوب، ولكنه لم يحافظ على نصاعة الصفحة.
يتوسل الحاج الأمل في قبول الرحمن بالكثير من الأعمال الصالحة؛ للتكفير عن أي قصور في أدائه لمناسك الحج، ومن منا لم يخطئ فيها، ومن منا أدى هذه المناسك كما يجب، وكما يليق بجلالها.
فعلى الحاج تنمية الإحساس بالتقصير بداخله على ألا يكون ذلك سببا لليأس من القبول. ولكنه يكون دافعا مستمرا للإجادة في كل أمور الدين والدنيا، لتجديد التوبة والتطهر رغبة في كتابة اسمه بين التوابين والمتطهرين.
يراقب الحاج نفسه عند أي تفكير يراوده أو تصرف يزمع القيام به، ويسأل نفسه: هل هذا يليق بحاج أكرمه الله بزيارة بيته الحرام؟ ويتذكر أن العبودية يجب أن تكون للخالق عز وجل وحده، ويضع أمام عينيه قول الإمام علي كرم الله وجهه: "إذا وضعت أحدا فوق قدره فتوقع أن يضعك دون قدرك".
فمن الذكاء أن يضع الدنيا بكل ما تشمله من علاقات ومصالح وعواطف في قدرها، ويكون عبدا لله وحده، فلا يحزن ولا يفرح إلا على ما ينير له قبره فقط، وأن يعتبر الدنيا وكل حياته فيها مجرد وسيلة للفوز بالآخرة، فلا يتعلق قلبه إلا بالخالق عز وجل. وبذا يفوز بالسعادة الحقيقية في الدنيا والآخرة أيضا.
ويتأدب الحاج مع الخالق عز وجل، فيمتلئ قلبه بالامتنان العظيم والشكر البالغ والحمد المتنامي؛ لتفضله عليه بمنحه "نعمة الحج"؛ في الوقت الذي تتطلع إليه أفئدة ملايين المسلمين، ويعجزون عن تحقيقه لأسباب مختلفة.
ولا يكتفي السعيد بمشاعر الحمد القلبية؛ وإنما يقاتل لترجمة مشاعره إلى تصرفات وأفعال ومعان تنير روحه، وتهدي قلبه، وتنظف عقله من كل الشوائب في الدين والدنيا، ليتطهر ويغتسل روحيا وذهنيا قبل أن يغتسل جسديا.
فالسعيد من يرَ في بيت الله وطنه، ويعتمد "الإسلام" جنسيته، ويتذكر أن المؤمنين أخوة، فيتسامى على التقسيمات الوهمية بين المسلمين على حسب أوطانهم، ولا يتعامل مع الأماكن المقدسة على أنه سائح.
خط فاصل
والسعيد حقا هو من يتعامل مع الحج على أنه خط فاصل لا رجعة فيه. ويبدأ بعد العودة حياة جديدة، يتطهر فيها من كل ما يغضب الخالق عز وجل؛ وألا يكتفي بترك الذنوب؛ بل "يقاتل" لفعل كل الخيرات.
ولا يقع الحاج في الخطأ الشائع لدى بعض الحجيج؛ وهو الانعزال عن الدنيا والاكتفاء بالإكثار من الصلوات والصيام، وتناسي أن هناك من العبادات ما يفوقها أثرا. فقد وعد رسولنا الحبيب بأقرب مكان إليه من تمتع بحسن الخلق.
إذ يتطلب حسن الخلق مجاهدة النفس، ومكايدة الشيطان، والتعامل مع الجميع بالخلق الحسن، وإتقان العمل إعمالا لقوله عز وجل: {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} (التوبة: 105)، وأن تكون نيته في عمله الخضوع لمشيئة الخالق عز وجل، وإرضاءه بإجادة العمل، وإعطاء نموذج إيجابي للمسلم الحق.
فأجمل ما يتحلى به الحاج العائد الحياء من الرحمن عز وجل في كل لحظة؛ وألا يجعله سبحانه وتعالى أهون الناظرين إليه، ويستمد من هذا الحياء طاقات إضافية، تعينه على مواجهة كل ما يكرهه من منغصات الحياة التي لا تخلو منها أي حياة بالطبع.
فيتعامل بوعي وفطنة مع هذه المنغصات، ويضعها في أقل من حجمها، ويتذكر أن الحياة نفسها مرحلة مؤقتة للغاية، ومجرد وسيلة للآخرة السعيدة. فيتعامل معها وكأنها إزعاج يوم ممطر؛ فمن السخف جعلها مأساة وإطالة التوقف عندها.
فيستعين بالله ولا يعجز؛ ويأخذ بالخطوات العملية للإجهاز على هذه المنغصات أولا فأولا أو تقليل آثارها بقدر الإمكان. وإن كاد يفقد روح "المؤمن" الجميلة، فليعد بذاكرته إلى تذكر "الرحابة" الرائعة التي نعم بها في أثناء الحج.
عندئذ ستتراجع مشكلات الحياة، ويتمكن بعون الرحمن من الانتصار عليها، والاستفادة منها دينيا ودنيويا، وينصح غيره بكيفية تجنبها، فستصير لديه خبرات مواجهة الأزمات بفضل السماحة والتعقل اللاتي يكتسبهما من الحج.
زاد الحجيج
ويحافظ الحاج السعيد على رقة القلب، ويبتعد عن كل ما يؤدي إلى قسوته؛ من الإفراط في المخالطة والطعام والكلام، مع ضرورة التأمل يوميا في نعم الخالق، ومظاهر قدرته في الكون، وأن يسعى لزيادة رصيده من التوحيد والإخلاص وحسن العبادة، وزيادة معلوماته الدينية من المصادر الموثوق فيها، وعدم الاكتفاء بما يعرفه.
فالإيمان إن لم يزد ينقص، والتفقه في الدين يزيد من حب المسلم لدينه؛ وتوعيته بواجباته الدينية، وفطنته إلى ضرورة أدائها بكل حب واحترام وخضوع، وتأدب مع الخالق عز وجل، والامتنان التام له سبحانه وتعالى، والشكر العميق له على تفضله علينا بنعمة الإسلام، وحمايتنا من الضلال والكفر والشقاق وسوء الأخلاق.
والحاج السعيد هو الذي يسعى للتصبر والتحلم ويمرن نفسه عليهما، وهما صفات يحبها الرحمن الرحيم، وهو الذي يجدد في كل صلاته الإحساس بنعيم الطواف، والتطهر من كل الذنوب، ويتذكر الكعبة المشرفة، وزيارة الرسول الحبيب صلوات الله وسلامه عليه، ولا يكثر من الحديث عن روحانياته؛ حتى ينأى بنفسه عن شبهة الرياء، ويحتفظ بشحنته الروحانية كاملة.
وعلى الحاج السعيد ألا يتوقع تغير من حوله بعد عودته من الحج، ومواكبتهم للتغيير الذي حدث له، ولا يضيع ثانية في الألم من مواقفهم، بل يدخر طاقاته لتحسين نفسه أولا دينيا ودنيويا، بدلا من إهدار الطاقة في إلقاء محاضرات عقيمة، وتسول المساعدة منهم؛ فأفضل مساعدة هي التي يمنحها الإنسان لنفسه بعد لجوئه إلى الخالق عز وجل.
وليردد الحاج في نفسه دائما الثناء والحمد لله: سبحانك ما شكرناك حق شكرك يا الله، سبحانك ما ذكرناك حق ذكرك، سبحانك ما قدرناك حق قدرك، سبحانك ما عبدناك حق عبادتك، ويسعى دوما لتقليص هذا التقصير قدر طاقته، ويستعين بالخالق عز وجل دائما.
توقيع » أبو علي
مركز المعالي لصيانة الحاسب الآلي
رد مع اقتباس
قديم 01-06-2007   رقم المشاركة : ( 2 )
المبرِّد
عابر سبيل


الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 17
تـاريخ التسجيـل : 07-08-2005
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 1,939
آخــر تواجــــــــد : ()
عدد الـــنقــــــاط : 20
قوة التـرشيــــح : المبرِّد مبدع


المبرِّد غير متواجد حالياً

افتراضي رد : "الجهاد الأكبر".. بعد الحج

جزاك الله خيرا
الله يتقبل من الجميع
آخر مواضيعي
  رد مع اقتباس
قديم 01-07-2007   رقم المشاركة : ( 3 )
ابو طلحه
مشرف سابق


الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 186
تـاريخ التسجيـل : 14-11-2005
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 397
آخــر تواجــــــــد : ()
عدد الـــنقــــــاط : 10
قوة التـرشيــــح : ابو طلحه يستحق التميز


ابو طلحه غير متواجد حالياً

افتراضي رد : "الجهاد الأكبر".. بعد الحج

نفع الله بك
ورفع الله قدرك
وجعل ما كتبت في ميزان حسناتك


موضوع يستحق التثبيت
آخر مواضيعي
  رد مع اقتباس
قديم 01-07-2007   رقم المشاركة : ( 4 )
@ بن سلمان @
ثمالي نشيط

الصورة الرمزية @ بن سلمان @

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 156
تـاريخ التسجيـل : 01-10-2005
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 14,724
آخــر تواجــــــــد : ()
عدد الـــنقــــــاط : 20
قوة التـرشيــــح : @ بن سلمان @ مبدع


@ بن سلمان @ غير متواجد حالياً

افتراضي رد : "الجهاد الأكبر".. بعد الحج

بن عزاب
شكر الله لك
فخير الجهاد جهاد النفس
جهاد النفس
وفيه فرعان:
الفرع الأول: ذكر مخاطر النفس وأدوائها وأعوانها.
الفرع الثاني: جهاد النفس وأعوانها.
الفرع الأول: ذكر مخاطر النفس وأدوائها وأعوانها
وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول
بيان أن النفس الإنسانية هي موضوع الكتاب والسنة
إن الله عز وجل الخالق الخبير، هو وحده الذي يعلم أغوار النفس الإنسانية والتواءاتها، وإن الإنسان ليجهل من نفسه أكثر مما يعلم منها، قال تعالى: {ألا يعلمُ من خَلَقَ وهو اللطيفُ الخبيرُ} [الملك: 14] وإن الإنسان ليتمنى-بعد أن تحققت له أمنيته من الضلال في الدنيا-أن يسلك الطريق المستقيم بعد أن عاين مقر عذابه الدائم بسبب بعده عن الله وتكذيبه بآياته، ولكن الخالق يعلم منه ما خفي على نفسه، كما قال تعالى: {ولو ترى إذ وُقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نُرَدُّ ولا نكذِّبَ بآيات ربنا ونكونَ من المؤمنين، بل بدا لهم ما كانوا يُخْفون من قبل، ولو رُدُّوا لعادوا لما نهوا عنه، وإنهم لكاذبون} [الأنعام: 27-28]
وقد أنزل الله هذا القرآن من أجل هذه النفس التي يصفها تارة بالإيمان والعمل الصالح الذي يترتب عليه الفلاح والفوز في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: {ألم. ذلك الكتابُ لا ريب فيه هدى للمتقين. الذين يؤمنون بالغيب، ويقيمون الصلاة، ومما رزقناهم ينفقون. والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون. أولئك على هدى من ربهم، وأولئك هم المفلحون} [البقرة: 1-5]
وتارة بالاطمئنان بالإيمان بالله وبذكره والعمل الصالح له، وبما أعد الله لها من الكرامة في الدار الآخرة، والرضا بكل ذلك كما قال تعالى: {يا أيتها النفسُ المطمئنة ارجعي إلى ربك راضيةً مرضيَّة، فادخلي في عبادي وادخلي جنَّتي} [الفجر: 27-30].
وتارة بالعناد والصدود وعدم الاستجابة للحق، مهما كانت الدعوة إليه واضحة مقنعة، وذلك حين يختم عليها، فلا يدخل إليها خير، ولا يخرج منها شر: {إن الذين كفروا سواءٌ عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون. ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوةٌ ولهم عذابٌ عظيم} [البقرة: 6-7]
وتارة بأنها أمارة بالسوء، أي دأبها الإكثار والإلحاح على صاحبها في أن يعمل المنكر القبيح: {وما أبرئ نفسي، إنّ النفس لأمارة بالسوء} [يوسف: 53]
وتارة يصفها بالخداع والغش والمراوغة والنفاق والمرض والفساد: {ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين. يُخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون. في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً، ولهم عذاب أليمٌ بما كانوا يكذبون. وإذا قيل لهم لا تُفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون. ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون...} الآيات إلى قوله تعالى {إن الله على كل شيء قدير} [البقرة: 8-20]
وتارة يصفها بأنها كثيرة التحرج من فعل الشر وترك الخير، وأنها تلوم صاحبها على ذلك باستمرار، كما قال تعالى: {لا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة} [القيامة: 1-2]
وتارة يُذَكِّرها بحقارتها وكبريائها {أوَلَمْ يَرَ الإنسان أناَّ خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مُبين} [يس: 77].
وتارة يذكر تعالى أنه قد أقام عليها الحجة، فلم يبق لها عذر في تمردها وعصيانها: {إناَّ هديناه السبيلَ إماَّ شاكراً وإماَّ كفورا} [الإنسان: 3]، {ونفس وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها} [الشمس: 7-8]
وتارة يصفها بالظلم والجهل {إناَّ عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال، فأبين أن يحملها، وأشفقن منها، وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً} [الأحزاب: 72].
وإذا كان الله هو خالق هذه النفس وهو أعلم بها منها، وقد أراد لها شرعاً أن تقوم بالخلافة في الأرض، وبين لها طريق الخير وطريق الشر بما فطرها عليه من معرفة الحسن والقبيح، فإنه لم يدعها لذاتها تتخبط في هذه الحياة دون هداية وبيان، بل أرسل إليها الرسل وأنزل الكتب لبيان ما يصلحها، ويجعلها مصلحة مرشدة تعمر الأرض بالتوحيد والإيمان والعمل الصالح وآخر كتاب نزل هو أكمل الكتب المهيمن على كل الكتب السماوية السابقة، وهو (القرآن) وآخر رسول، وهو (محمد) رسول الله صلى الله عليه وسلم، أفضل من نزل عليه جبريل في الأرض، وفي هذا الكتاب هداية لأقوم سبيل، وفي هذا الرسول نور وهداية وخير، قال تعالى: {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم} [الإسراء: 9] {يا أيها النبيُّ إناَّ أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه، وسراجاً منيراً} [الأحزاب: 45-46] ولذلك أمرها ونهاها ورغبها ورهبها وبين لها ما ينفع وما يضرها في الدنيا والآخرة.
فالقرآن الكريم والسنة المطهرة في حقيقة الأمر، ما موضوعهما إلا النفس الإنسانية، في حال انفرادها أو اجتماعها، في سلمها وحربها، في عسرها ويسرها، في حال رضاها وسخطها، وفي ثوابها وعقابها، وفي كل حالة من حالاتها.
وليفتح من يريد أن يعلم ذلك علم اليقين كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ليرى أن هذه النفس هي المقصودة بكل كلمة، وكل أمر ونهي، وكل ترغيب أو ترهيب، وثواب أو عقاب، أو غير ذلك.
لذلك فإن خطر هذه النفس عظيم وأمرها جسيم.

المطلب الثاني
أهل القرآن يصفون القرآن يصفون النفس وعظم خطرها
وإن الذي علم أن هذا القرآن إنما أنزل لهذه النفس: يصفها، ويرشدها ويثيبها ويعاقبها، لهو أولى من يصفها -بعد كتاب الله وسنة رسوله- وهو كذلك أدرى – بعد الله ورسوله – بعللها وأدوائها وعلاجها، وتأمل هذه الجمل التي يصفها فيها أحد خبراء النفس هذه النفس:
"فالنفس جبل عظيم، شاق في طريق السير إلى الله عز وجل، وكل سائر لا طريق له إلا على ذلك الجبل، فلا بد أن ينتهي إليه، ولكن منهم من هو شاق عليه، ومنهم من هو سهل عليه، وإنه ليسير لمن يسره الله عليه، وفي ذلك الجبل أودية وشعاب وعقبات ووهود، وشوك وعوسج وعليق وشرق، ولصوص يقطعون الطريق على السائرين لا سيما أهل الليل المدلجين، فإذا لم يكن معهم عُدَد الإيمان ومصابيح اليقين تتقد بزيت الإخبات، وإلا تعلقت بهم تلك الموانع، وتشبثت بهم تلك القواطع، وحالت بينهم وبين السير، فإن أكثر السائرين فيه رجعوا على أعقابهم لما عجزوا عن قطعه واقتحام عقباته.
والشيطان على قُلَّة ذلك الجبل، يحذر الناس من صعوده وارتفاعه ويخوفهم منه، فيتفق مشقة الصعود وقعود ذلك المخوف على قتله، وضعف عزيمة السائر ونيته، فيتولد من ذلك الانقطاع والرجوع والمعصوم من عصمة الله.
وكلما رقِيَ السائرُ في ذلك، اشتد صياح القاطع وتحذيره وتخويفه، فإذا قطعه وبلغ قلته، انقلبت تلك المخاوف كلهن أماناً، وحينئذ يسهل السير وتزول عنه عوارض الطريق ومشقة عقباتها، ويرى طريقاً واسعاً آمناً يفضي به إلى المنازل والمناهل، وعليه الأعلام وفيه الإقامات قد أعدت لركب الرحمن، فبين العبد وبين السعادة والفلاح قوة وعزيمة وصبر ساعة وشجاعة نفس وثبات قلب، والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم" [مدارج السالكين بين إياك نعبد وإياك نستعين (2/7) لابن القيم].
ويصفها في مكان آخر بالجهل والظلم، وأنها منبع كل شر ومأوى كل سوء، وأن العبد لا خلاص له من شرها إلا باللجوء إلى خالقها، قال:
"ويفيده نظره إليها – أي يفيد الإنسان نظره إلى النفس الأمارة بالسوء – أموراً: منها أن يعرف أنها جاهلة، ظالمة، وأن الجهل والظلم يصدر عنهما كل قول وعمل قبيح، ومن وصفه الجهل والظلم، لا مطمع في استقامته واعتداله البتة، فيوجب له ذلك بذل الجهد في العلم النافع الذي يخرجها عن وصف الجهل، والعمل الصالح الذي يخرجها عن وصف الظلم، ومع هذا فجهلها أكثر من علمها، وظلمها أعظم من عدلها، فحقيق بمن هذا شأنه أن يرغب إلى خالقها وفاطرها أن يقيها شرها، وأن يؤتيها تقواها ويزكيها فهو خير من زكاها، فإنه ربها ومولاها، وألا يكله إليها طرفة عين، فإنه إن وكل إليها هلك، فما هلك من هلك إلا حيث وُكِلَ إلى نفسه... فمن عرف حقيقة نفسه وما طبعت عليه، علم أنها منبع كل شر ومأوى كل سوء، وأن كل خير فيها، ففضل من الله من به عليها، لم يكن منها، كما قال تعالى: {ولولا فضل الله عليكم ورحمتهُ ما زَكَا منكم من أحد} [النور: 21] وقال تعالى: {ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون} [الحجرات: 7] فهذا الحب وهذه الكراهة لم يكونا في النفس ولا بها، ولكن هو الله الذي من بهما..." [مدارج السالكين 1/220)].
ويصف ابن تيمية خطر هواها على صاحبه، وأنه لا يثبت على حال واحدة، بل إن ما يزعم أنه حق يدعو إليه، ينقلب عنده باطلاً يعارضه ويحاربه، وما يزعم أنه باطل يدعو إلى تركه ويظهر قبحه، ينقلب عنده حقاً يدعو إليه ويحارب من يكره.
قال رحمه الله: "والناس هنا ثلاثة أقسام: قوم لا يقومون إلا في أهواء أنفسهم، فلا يرضون إلا بما يُعْطَونه، ولا يغصبون إلا لما يحرمونه، فإذا أعطي أحدهم ما يشتهيه من الشهوات الحلال والحرام، زال غضبه وحصل رضاه، وصار الأمر الذي كان عنده منكراً – ينهى عنه ويعاقِب عليه ويَذُم صاحبَه ويغضب عليه – مرضيا،ً وصار فاعلاً له وشريكاً فيه، ومعاوناً عليه ومعادياً لمن نهى عنه وينكر عليه، وهذا غالب في بني آدم يرى الإنسان ويسمع ما لا يحصيه. وسببه أن الإنسان ظلوم جهول فلذلك لا يَعدِل، بل ربما كان ظالماً في الحالين، يرى قوماً ينكرون على المتولي ظلمه لرعيته واعتدائه عليهم، فيرضي أولئك المنكرين ببعض الشيء، فينقلبون أعواناً له، وأحسن أحوالهم أن يسكتوا عن الإنكار عليه، وكذلك تراهم ينكرون على من يشرب الخمر ويزني ويسمع الملاهي، حتى يدخلوا أحدهم معهم في ذلك، أو يرضوه ببعض ذلك، فتراه قد صار عوناً لهم، وهؤلاء قد يعودون بإنكارهم إلى أقبح من الحال التي كانوا عليها، وقد يعودون إلى ما هو دون ذلك أو نظيره" [الفتاوى (28/147)].
ويصف النفس بأنها أعظم خطراً من غيرها، لأنها ملازمة لصاحبها متصلة به لا تفارقه، فهي تأمره من داخله، وتحول بينه وبين الخير من داخله كذلك، فلا فكاك له منها.
قال: "ولهذا يبقى الإنسان عند شهوته وهواه، أسيراً لذلك مقهوراً تحت سلطان الهوى أعظم من قهر كل قاهر – أي من المخلوقين – فإن هذا القاهر الهوائي القاهر للعبد هو صفة قائمة بنفسه لا يمكنه مفارقته البتة.. بخلاف كل قاهر ينفصل عن الإنسان، فإنه يمكنه مفارقته مع بقاء نفسه على حالها، وهذا إنما يفارقه بتغير صفة نفسه" [الفتاوى (10/587)].
ويصف الإنسان في موضع آخر بأنه عبد هوى نفسه، يوالي من أجلها ويعادي من أجلها كذلك، قال: "فالنفس مشحونة بحب العلو والرياسة، فتجد أحدهم يوالي من يوافقه على هواه، ويعادي من يخالفه في هواه، وإنما معبوده ما يهواه ويريده، قال تعالى: {أرأيتَ من اتخذ إلهه هواه؟! أفأنت تكون عليه وكيلاً}" [الفتاوى (14/324) والآية من سورة الفرقان:43].

كتبه
د . عبد الله قادري الأهدل

http://saaid.net/Doat/ahdal/019.htm
آخر مواضيعي
  رد مع اقتباس
قديم 01-07-2007   رقم المشاركة : ( 5 )
H Y T H A M
مساعد المدير


الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 491
تـاريخ التسجيـل : 07-06-2006
الـــــدولـــــــــــة : قلي أنت أول !!
المشاركـــــــات : 10,818
آخــر تواجــــــــد : ()
عدد الـــنقــــــاط : 6456
قوة التـرشيــــح : H Y T H A M تميز فوق العادةH Y T H A M تميز فوق العادةH Y T H A M تميز فوق العادةH Y T H A M تميز فوق العادةH Y T H A M تميز فوق العادةH Y T H A M تميز فوق العادةH Y T H A M تميز فوق العادةH Y T H A M تميز فوق العادةH Y T H A M تميز فوق العادةH Y T H A M تميز فوق العادةH Y T H A M تميز فوق العادة


H Y T H A M غير متواجد حالياً

افتراضي

بارك الله فيك اخي الكريم بن عزاب وزادك من فضله
@بن سلمان@ رحم الله والديك عن النار
آخر مواضيعي
  رد مع اقتباس
قديم 01-07-2007   رقم المشاركة : ( 6 )
أبو علي
ذهبي مشارك

الصورة الرمزية أبو علي

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 183
تـاريخ التسجيـل : 08-11-2005
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 1,660
آخــر تواجــــــــد : ()
عدد الـــنقــــــاط : 10
قوة التـرشيــــح : أبو علي


أبو علي غير متواجد حالياً

افتراضي رد : "الجهاد الأكبر".. بعد الحج

اشكر الجميع على المرور وأسأل الله ان ينفعنا بما كتبنا وقرأنا ، والشكرموصول لاخي ورفيق دربي العوارشي بن سلمان .
آخر مواضيعي
  رد مع اقتباس
قديم 01-08-2007   رقم المشاركة : ( 7 )
ابو عادل
شاعر وعضو فعال


الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 512
تـاريخ التسجيـل : 30-06-2006
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 2,772
آخــر تواجــــــــد : ()
عدد الـــنقــــــاط : 30
قوة التـرشيــــح : ابو عادل محترف الابداع


ابو عادل غير متواجد حالياً

افتراضي رد : "الجهاد الأكبر".. بعد الحج

بن عزاب:
جزاك الله خيرا وأثابك على ماكتبت.
بن سلمان :
أحسنت في إثراء الموضوع بالنقل الموفق
أحسن الله اليك.
آخر مواضيعي
  رد مع اقتباس
قديم 01-09-2007   رقم المشاركة : ( 8 )
حسن عابد
شاعر

الصورة الرمزية حسن عابد

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 211
تـاريخ التسجيـل : 13-12-2005
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 7,632
آخــر تواجــــــــد : ()
عدد الـــنقــــــاط : 539
قوة التـرشيــــح : حسن عابد تميز فوق العادةحسن عابد تميز فوق العادةحسن عابد تميز فوق العادةحسن عابد تميز فوق العادةحسن عابد تميز فوق العادةحسن عابد تميز فوق العادة


حسن عابد غير متواجد حالياً

افتراضي رد : "الجهاد الأكبر".. بعد الحج

بن عزاب:
جزاك الله خيرا وأثابك على ماكتبت.
بن سلمان :
أحسنت في إثراء الموضوع بالنقل الموفق
أحسن الله اليك.
آخر مواضيعي
  رد مع اقتباس
قديم 01-12-2007   رقم المشاركة : ( 9 )
عثمان الثمالي
ثمالي نشيط

الصورة الرمزية عثمان الثمالي

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 30
تـاريخ التسجيـل : 13-08-2005
الـــــدولـــــــــــة : الطائف
المشاركـــــــات : 35,164
آخــر تواجــــــــد : ()
عدد الـــنقــــــاط : 30
قوة التـرشيــــح : عثمان الثمالي محترف الابداع


عثمان الثمالي غير متواجد حالياً

افتراضي رد : "الجهاد الأكبر".. بعد الحج

الله يعطيكم العافية
وجزاكم الله خيرا
آخر مواضيعي
  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى الردود آخر مشاركة
صور خاصه لـ(يـخـت) خالد بن الوليد بن طلال "فرنسا" ... !! خيــاليـــه!! H Y T H A M منتدى الصور 7 11-03-2006 12:15 PM
7 أسهم للمكتتب الفرد في "سبكيم" و283 سهما لأعلى طلب عثمان الثمالي منتدى الاقتصاد والمال 3 10-14-2006 04:00 PM


الساعة الآن 03:28 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc. Trans by