القمة الخليجية والعملة الموحدة

[عثمان الثمالي]

القمة الخليجية والعملة الموحدة القمة الخليجية والعملة الموحدة القمة الخليجية والعملة الموحدة القمة الخليجية والعملة الموحدة القمة الخليجية والعملة الموحدة

ـ د.محمد العسومي 21/12/2008
الآن وبعد ان استكملت اللجان المختصة تقريبا المسائل الفنية الخاصة باصدار العملة الخليجية الموحدة وقدمت توصياتها في هذا الشأن للقمة القادمة والمزمع عقدها في نهاية شهر ديسمبر الجاري في العاصمة العمانية مسقط، تكون دول مجلس التعاون قد قطعت شوطا كبيرا نحو تحقيق هذا الهدف ذي الابعاد التنموية والمالية المهمة لدول المجلس.

بقيت هناك بعض المسائل الشكلية، التي لم تتمكن اللجان الفنية ولا الاجتماعات الوزارية من حسمها، اي تلك المتعلقة بمقر البنك المركزي الخليجي واسم العملة الموحدة، تلك القضايا الشكلية التي يفترض ان تحتل مرتبة ثانوية، مقارنة بالمسائل الاساسية التي تم الاتفاق عليها، اي تلك الخاصة بالتشريعات والانظمة والاحتياطات والعجز في الموازنات السنوية ونسبة الدين الخارجي للناتج المحلي الاجمالي وغيرها من الامور التي تتطلب ترتيب الاوضاع المالية والنقدية في دول المجلس بما يتناسب ومتطلبات العملة الموحدة.

والحال ان المسائل الشكلية عادة ما تفهم بصورة مبالغ فيها، فوجود مقر المصرف لا يعني الكثير للدولة المضيفة، فالمصرف المركزي الخليجي، كما هو الحال مع المصرف المركزي الاوروبي سيكون هيئة مستقلة تماما ولا تخضع لتأثيرات اي من البلدان الاعضاء، فقراراته تأخذ بصورة توافقية ومهنية تتناسب والاوضاع المالية والنقدية في بلدان التكتل مجتمعة، كما ان رئاسته تأخذ الطابع الدوري التناوبي، التي تخضع بدورها لاعتبارات مهنية تتلاءم واهمية هذا المنصب الرفيع.

وإذا ما درسنا التجربة الأوروبية، فإننا سنجد ان مقر البنك المركزي الأوروبي يقع في فرانكفورت، الا ان ألمانيا لا تستطيع اتخاذ اي قرار بمفردها، كما ان وجود المقر في فرانكفورت لم يضف إليها أهمية تذكر، إذ ظلت لندن هي المركز المالي الاول في اوروبا.

أما اسم العملة، فإنها مسألة شكلية بدورها، ويحضرني في هذه المناسبة حديث جانبي دار مع المحافظ السابق للمصرف المركزي في الدولة المرحوم عبدالملك الحمر، الذي كان له دور كبير في انجاز العديد من مجالات التعاون والتكامل الاقتصادي الخليجي، حيث ذكر من انه اقترح في أحد اجتماعات محافظي البنوك المركزية الخليجية وكمخرج لعقدة تسمية العملة، اقترح اسمي الدرهم والدينار مبررا ذلك بورودهما في القرآن الكريم، مما له دلالات معنوية وتاريخية لاسم العملة الموحدة.
اذا هناك مخارج لهذه المسائل الشكلية، التي اعاقت للأسف تطبيق بعض الاتفاقيات المهمة في السابق، التي ظلت معلقة لغياب المهنية من قبل اللجان المختصة، كتأخير تطبيق التعرفة الجمركية الموحدة والمصاعب التي تعاني منها حاليا اتفاقية السوق الخليجية المشتركة.

التعاون الاقتصادي الخليجي وصل إلى مرحلة تتطلب ايجاد عملة موحدة، فبدون هذه العملة سوف تفقد الاقتصادات الخليجية الكثير من المرونة المطلوبة للتعامل مع التغيرات الاقتصادية والنقدية الجارية في العالم، وبالاخص بعد الازمة المالية العالمية التي مازالت عواقبها تتوالى يوما بعد آخر.

ولنأخذ على سبيل المثال العلاقة بين نسب التضخم المرتفعة للغاية في الاقتصادات الخليجية في الأعوام الثلاثة الماضية ونسب الفائدة السائدة في هذه البلدان. لقد تتطلب الامر بكل بساطة رفع نسب الفائدة في السنوات الماضية لمحاربة التضخم الذي وصل الى مستويات غير مسبوقة، الا ان الذي حدث هو العكس، اذ تم تخفيض اسعار الفائدة من قبل البنوك لمركزية الخليجية اقتفاء بتخفيض الفائدة على الدولار الذي ترتبط به هذه العملات.

لقد كان لهذه الاجراءات انعكاسات سلبية عمقت من تداعيات الازمة المالية العالمية على الاقتصادات الخليجية، اذ لو كان لدول المجلس عملتها غير المرتبطة بعملة اخرى، لامكن رفع اسعار الفائدة استجابة لمتطلبات الاوضاع الاقتصادية في دول المجلس، ولرأينا انخفاضا كبيرا في معدلات التضخم، وبالتالي انخفاضا مماثلا في الاسعار وتكاليف المعيشة، ولكانت الانعكاسات السلبية للازمة المالية العالمية اخف وطأة مما هي عليه الآن، خصوصا ان الدولار جزء اساسي من مكونات هذه ألازمة.

نتيجة لهذه الاعتبارات تتوافر لدول المجلس فرصة تاريخية لا تعوض لاقرار اتفاقية العملة الموحدة واصدارها في موعدها المحدد وتجاوز المسائل الشكلية، فإصدار العملة الموحدة سوف يعني فيما يعنيه استقلال تام للسياسات النقدية وتسخير ذلك لخدمة التوجهات الاقتصادية الخليجية، فالأدوات النقدية والمالية تتزايد اهميتها للتنمية الاقتصادية في كافة بلدان العالم، اذ اننا نرى كيف تعمد الآن الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي وبريطانيا لتخفيض اسعار الفائدة للحد من تداعيات الازمة المالية العالمية على اقتصاداتها، هذه أداة مهمة للغاية تتوافر إمكانية استخدامها من خلال العملة الموحدة فقط.

وفي نفس الوقت، فان ذلك يعتبر أحد أهم متطلبات التنمية المستقبلية في دول مجلس التعاون، فالعملة الخليجية الموحدة غير المرتبطة بعملة عالمية هي إحدى الأدوات اللازمة والضرورية للنمو الاقتصادي في دول المجلس.

وبما ان هذه القضية بمجملها، بما فيها القضايا الشكلية قد رفعت للقمة القادمة، فان التفاؤل بحلها هو الاقرب، فقادة دول المجلس اتخذوا في السابق قرارات صعبة ومهمة بعد ان عجزت اللجان المختصة عن حسمها، بما فيها السوق الخليجية المشتركة، وذلك بفضل الحكمة والجدية التي تميز الاجتماعات الدورية للقمم الخليجية، خصوصا ان هذه المسألة تعتبر المسألة الأولى والاهم على جدول أعمال القمة الخليجية في مسقط، التي يأمل ان تستكمل بنجاح هذا الانجاز التاريخي لدول المجلس