هل يمكن للأزمة المالية أن تحدث هنا؟ هل يمكن للأزمة المالية أن تحدث هنا؟ هل يمكن للأزمة المالية أن تحدث هنا؟ هل يمكن للأزمة المالية أن تحدث هنا؟ هل يمكن للأزمة المالية أن تحدث هنا؟
حامد العطاس - جدة
هل يمكن للأزمة الحالية التي تعصف بأسواق المال الأمريكية والأوربية والأسواق العالمية الأخرى أن تحدث في ظل نظام مالي يعمل وفق أحكام الشريعة الإسلامية؟
لا أحد يعلم ولكن عصام الطواري الرئيس التنفيذي لشركة رساميل للهيكلة المالية يرجح أنه غير قابل للحدوث. فالنظام المالي الذي يراعي أحكام الشريعة الإسلامية في صلب طبيعته أنه لا يشجع بل يمنع زيادة المضاربة (عمليات الإقراض) المحفوفة بالمخاطر التي تعتبر أصل المشكلة في الأزمة المالية الدولية الراهنة، فالقوانين الإسلامية التي تحرم الديون العالية وغير المضمونة والمضاربة تضمن درجة عالية من الحصانة والحذر، علاوة على ذلك فإن الالتزام بمبدأ العدالة يتطلب من المستثمرين الذين يعملون وفق أحكام الشريعة الإسلامية المشاركة في المخاطر والمكاسب ويحرم إعطاء ضمانات لبعض المستثمرين على حساب الآخرين، إن فقدان هذه المفاهيم والمبادئ في النظام المالي التقليدي يؤدي إلى الجشع والتقلب والانهيار الذي نشهده هذه الأيام.
وقال إن التوريق (التسنيد) يعد أحد المكونات الأساسية في أسواق رأس المال اليوم، والتوريق هو عملية تحويل الأصول المدرة للدخل إلى أوراق مالية، وقد أصبحت عملية التوريق جزءا هاما من أسواق رأس المال منذ أوائل السبعينات، لقد قدمت عملية التوريق أسعارا متدنية للمقترضين، وضمانات أفضل للمقرضين، وزيادة في السيولة إضافة إلى توفير مصادر تمويل بديلة في أسواق رأس المال، رغم ذلك وفي ظل الأزمة المالية الراهنة تتكرر الإشارة إلى أن عملية التوريق هي أحد أسباب هذه الأزمة الناجمة في جلها عن عمليات الرهن بفوائد متدنية، ولكن من الأهمية إدراك أن زيادة عمليات المضاربة (الإقراض) المثقلة بالديون التي بدأت تزحف نحو التوريق خلال السنوات العشر الأخيرة (مثل سندات القروض برهن موجودات، عمليات الرهن بأسعار فائدة متدنية، مبادلات التخلف عن إيفاء القروض بضمان موجودات) هي التي أدت إلى الانهيار المالي وليس عملية التوريق بحد ذاتها. ولفت إلى أن المزايا الهيكلية للتوريق الذي يراعي أحكام الشريعة يحرم تلك المزايا الجشعة والمجردة من المبادئ الخلقية لعملية التوريق التقليدية التي نجم عنها مشاكل جمة، فمن أجل الالتزام بقانون الشريعة فإنه يحرم على عمليات التوريق التي تراعي أحكام الشريعة القيام بمعاملات فيها ميسر، ومخاطر غير محسوبة، والغرار (الغش والخداع)، ودرجات عالية من الشك، كما تحرم المعاملات المثقلة بالديون وعمليات الإقراض المحفوفة بالمخاطر وغير المضمونة، لو أن النظام المالي التقليدي بني على قاعدة أخلاقية شبيهة لما وقعت الأزمة المالية العالمية الراهنة أو أنها كانت على الأقل أخف وطأة مما هي عليه اليوم. التوريق وفق أحكام الشريعة لا يستهوي المضاربين المستهترين أصحاب الرؤية الضيقة وقصيرة المدى الذين يسيرهم بالتناوب إما الجشع أو الخوف، إن التوريق وفق أحكام الشريعة في الواقع لا يشجع المستثمرين الذين يضاربون دون الانخراط في معاملات مفيدة والسعي وراء عوائد من مشاريع ذات أهداف اقتصادية حقيقية. ولطالما حذر المشرعون النظام المالي التقليدي إلى وجوب تجنب "الوفرة اللاعقلانية"، ولكن لا يهم مهما تعزى أعداد كبيرة من الانهيارات المالية إلى معاملات المضاربة التي تعد بأرباح ضخمة دون إنتاجية تذكر، وفئات الموجودات التي ليست فاسدة أخلاقيا فحسب وإنما مؤذية اجتماعيا، والاحتكام إلى أدنى غرائز المستثمرين الجشعة، فإنه مكتوب على النظام المالي التقليدي في ما يبدو أن يكون قدره السقوط في براثن الانهيارات الدورية المتكررة.
ودعا الطواري المستثمرين إلى ألا يخشون من عمليات التوريق المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية، ولكن عليهم الحذر من التوريق التقليدي الذي سمح بزيادة المضاربة والدخول في مخاطر غير ضرورية للسيطرة على هدف المعاملات، وعلى المستثمرين أن يدركوا أنه إضافة إلى تحريم الميسر والغرار فإن عمليات التوريق وفق الشريعة تحرم القيام بالغش، وحجب المعلومات، والجهالة، والادعاء الكاذب، والتغرير، والخداع، ففي التوريق وفق الشريعة يعلم المستثمر أنه ملتزم ومقيد بقدر ومصير التجارة التي تم تمويلها، لو كانت هذه القيود والمبادئ مطلوبة في النظام المالي التقليدي لكان العالم في وضع أفضل مما هو عليه الآن.
وقال إن العمل المصرفي الإسلامي يواجه تحديات عديدة أمام منافسة العمل المصرفي التقليدي، وبسبب تحريم جني الفائدة على الأموال يركز العمل المصرفي الإسلامي بقوة على الأصول الأولية، وليس فقط على تداول المال لقاء التنازل عن التدفق النقدي، يتوجب على النظام المالي الذي يعمل وفق أحكام الشريعة الانخراط في تمويل النشاطات الاقتصادية الحقيقية التي ينجم عنها سلع وعوائد حقيقية. لذا لن يسمح التوريق وفق الشريعة للأوراق المالية المستحدثة أن تكون مستقلة بذاتها أو أن تكون منافسات مركبة للأصول الأولية وما تنتجه من عوائد، كما أنه لن يسمح لورقة مالية ممتازة أن تستخرج من أصول أولية "ذات مخاطر عالية"، علاوة على ذلك فإن التوريق وفق الشريعة يقدم الحماية الضرورية لمنع التوريق من التحول إلى مجرد عملية متاجرة بالديون التي تدعي "الابتكار المالي"، كما أن التوريق وفق الشريعة لن يعتمد على ممارسات الإقراض النهابة (المفترسة) التي أوجدها ومولها الدين الرديء وتحوطت عن طريق مبادلات التخلف عن إيفاء القروض.