- محمد بن فهد العمران 23/12/2008
مع إعلان الميزانية العامة للدولة للعام المالي الجديد (1430/1431هـ)، واصلت حكومتنا الرشيدة (حفظها الله) اتباع سياسة مالية توسعية في الإنفاق الحكومي بهدف تحقيق التقدم والرفاهية للوطن والمواطن على الرغم من الأزمة المالية العالمية والتي كان لها انعكاسات سلبية على أهم وأكبر الاقتصادات حول العالم مثل: الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا تمثلت في خسائر كبيرة للقطاعات المالية والمصرفية، في حين استمرت حكومتنا (رعاها الله) في انتهاج أسلوب متحفظ لتقدير الإيرادات نظرا إلى طبيعة أسواق النفط المتقلبة من حيث الأسعار وحجم الإنتاج يدعمها في ذلك احتياطياتها الضخمة من الموجودات الأجنبية والبالغة حاليا مستوى قياسيا يفوق 1.7 تريليون ريال سعودي تقريباً والتي تم تكوينها في السنوات الأخيرة.
بالنظر إلى الأرقام الفعلية المتوقعة للعام المالي الحالي (1428/1429هـ)، نجد أن الإيرادات الفعلية المتوقعة بلغت مستوى قياسي يقدر بـ 1.100 مليار ريال يمثل زيادة بنسبة 144 في المائة على ما تم تقديره في الميزانية خلال العام، في حين بلغت المصروفات الفعلية المتوقعة مستوى قياسيا أيضا يقدر بـ 510 مليارات ريال تمثل زيادة بنسبة 24 في المائة على ما تم تقديره في الميزانية خلال العام، حيث إن انخفاض نسبة نمو المصروفات عن نمو الإيرادات أدى إلى تكوين فائض مالي متوقع بقيمة تقديرية تبلغ 590 مليار ريال وهو أيضا رقم قياسي وتاريخي لم يسبق تحقيقه منذ تأسيس وطننا الغالي على يد المغفور له الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود (طيب الله ثراه) نتيجة للأسعار التاريخية والطلب القوي على النفط خلال هذا العام.
فيما يتعلق الأرقام التقديرية المتوقعة للعام المالي الجديد (1430/1431هـ)، تم تحديد الإيرادات المتوقعة بقيمة تقديرية تبلغ 410 مليارات ريال وهو رقم يمثل تحدياً للسياسة المالية في ظل وجود حالة عدم الاستقرار التي تعيشها حالياً أسواق النفط والمتوقع استمرارها على الأقل إلى بداية العام المقبل، إلا أن اللافت أن هذا الرقم ينقص بقيمة متواضعة تقدر بـ 40 مليار ريال أو نسبة 9 في المائة عن ما تم تقديره في العام الحالي والبالغ 450 مليار ريال كما أنه ينقص أيضا بقيمة كبيرة تقدر بـ 690 مليار ريال تمثل نسبة 63 في المائة عن الإيرادات الفعلية المتوقعة للعام الحالي، مما يدل على واقعية تقدير هذا الرقم في ظل صعوبة تنبؤ الإيرادات المستقبلية آخذين في الحسبان أن نسبة انخفاض أسعار النفط حالياً هي في الحقيقة نسبة مقاربة لذلك.
في السياق نفسه، حددت الميزانية المصروفات المتوقعة للعام المالي الجديد (1430/1431هـ) بقيمة تقديرية تبلغ 475 مليار ريال وهو أيضا رقم قياسي لم يسبق الوصول إليه في تاريخ الموازنات العامة للدولة منذ تأسيسها ويزيد بقيمة 65 مليار ريال أو بنسبة 16 في المائة على ما تم تقديره للعام الحالي والبالغ 410 مليارات ريال، وهي نسبة نمو كبيرة لم يسبق تقديرها من قبل (بما في ذلك السنوات الأخيرة) مما يدل على أن حكومتنا الرشيدة ماضية في انتهاج سياسة مالية توسعية على الرغم من الأزمة الاقتصادية العالمية من خلال استمرار نمو الإنفاق الحكومي وبمعدلات قياسية وهي بلا شك سياسة جريئة تسعى جاهدة إلى تحقيق النماء والرخاء للوطن والمواطن.
لمعالجة فرق زيادة المصروفات المتوقعة على الإيرادات المتوقعة في العام الجديد، تم تقدير عجز للموازنة بقيمة تقديرية تبلغ 65 مليار ريال تمثل نسبة 16 في المائة من الإيرادات المتوقعة ونسبة 14 في المائة من المصروفات المتوقعة. بالنظر إلى بيان وزارة المالية، نجد أنه لم يقدم توضيحا لآلية تغطية هذا العجز لكن عندما نقارن نسبة هذا العجز إلى رصيد الاحتياطيات من الموجودات الأجنبية نجد أن هذه النسبة لا تزيد على 4 في المائة وهي بالتأكيد نسبة ضئيلة توضح لنا سهولة تغطية العجز من رصيد الاحتياطيات التي تشكل حالياً نحو أربعة أضعاف المصروفات المتوقعة للعام الجديد كاملاً ودون الحاجة إلى إصدار سندات حكومية كما هي العادة دائماً.
اللافت أن زيادة المصروفات العامة للعام المالي الجديد انعكست على شكل زيادة في جميع القطاعات الرئيسة دون استثناء مثل: التعليم والتدريب، الخدمات الصحية والتنمية الاجتماعية، الخدمات والبلدية، النقل والاتصالات، المياه والزراعة والتجهيزات الأساسية، وأخيرا صناديق التنمية المتخصصة وبرامج التمويل الحكومي، وهي قطاعات حيوية ومهمة تمثل الجهاز الإداري للدولة الذي يسعى دوماً إلى توظيف طاقاته لخدمة المواطنين على حد سواء.
في السياق نفسه، يلفت نظرنا انخفاض قيمة الدين العام بشكل تدريجي ومتوازن حتى وصل حالياً مستوى 237 مليار ريال يمثل نسبة 13.5 في المائة من قيمة الناتج المحلي الإجمالي ويقل بنسبة 11 في المائة عن مستواه في العام الماضي والذي بلغ فيه مستوى 267 مليار ريال كان يشكل حينها نسبة 19 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، مما يدل على وصول الدين العام إلى مستويات مقبولة ومطئنة جداً نتيجة لانتهاء صلاحية الأوراق المالية المصدرة من قبل الحكومة أو نتيجة لإعادة شراء هذه الأوراق من قبل الحكومة من خلال عمليات السوق المفتوحة.
من منظور المؤشرات الاقتصادية العامة، واصل الناتج المحلي الإجمالي ارتفاعاته القياسية لتصل قيمته بالأسعار الجارية إلى مستوى 1,753 مليار ريال كما في نهاية العام الحالي مقارنة بمستوى 1.435 مليار ريال تقريباً كما في العام الماضي مما يعني تحقيق نمواً كبيراً نسبته 22 في المائة مقارنة بنسبة 7.6 في المائة تم تحقيقها في العام الماضي، حيث أتى الدعم بشكل رئيس من نمو القطاع النفطي بنسب نمو بلغت 35 في المائة في حين حقق القطاع الخاص غير النفطي نموا بلغت نسبته 8 في المائة حافظ بها على نسبة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة عند مستوى 46 في المائة، مما يعني محافظة القطاع الخاص غير النفطي على تنويع القاعدة الاقتصادية للناتج المحلي الإجمالي على الرغم من النمو الكبير للإيرادات النفطية خلال العام الحالي.
بشكل عام، لا شك أن الميزانية العامة الجديدة تشكل استمرارا لمسيرة التنمية التي تتبناها حكومتنا الرشيدة منذ سنوات طويلة بهدف دعم الرخاء والازدهار في معظم النشاطات الاقتصادية والاجتماعية في المملكة، حيث نلاحظ النمو المضطرد والمتوازن للمصروفات سواء الفعلية منها أو التقديرية حتى وصلت بنا إلى مستويات قياسية ضمن سياسة مالية متحفظة تأخذ في حسبانها الحكمة وبعد النظر.
12-23-2008
ميزانية الخير لأهل الخير: نظرة تحليلية
المواضيع المتشابهه
العرض العادي
