أمي غريبة عني !
أمي؟ كلا كلا..
لن أخبرها بما حدث! هذا مستحيل تماماً..
تعرفين ماذا سيحدث لو علمت؟ لن تساعدني، بل ستكون مشكلةٌ أخرى أكبر حجماً من التي أصادفها الآن، ستعنفني ستخبر أخواتي وخالاتي وسيتشاركون الضحك عليّ، وسأشعر بالاختناق وبأني أريد الخروج من البيت بلا عودة، باختصار.. سأعض أصابع الندم لأني أخبرتها!
حاولتُ كثيراً أن أكسر حاجز الخوف وأحطم الصمت الذي بيننا لكن في كل مرة أخرج بنفس النتيجة، أن أمي تكبر المشكلة بدل أن تحلها، وتزيد إشعال النار بدل أن تطفئها.!
هذا جوابٌ معتاد تحصده المشرفة الاجتماعية في المدرسة، أو المستشارة كلما واجهت مشكلة ونصحت الفتاة أن تتوجه لأمها لتحلّها وإياها، أو أن تطلب من الفتاة نقل هذه المشكلة لوالدتها لتكون على إطلاع، وأظن أن الغالبية العظمى وأنتِ قد تكونين منهم يواجهون نفس الإشكالية، وغياب الفهم بينها وبين أمها، خصوصاً حين تتوجه إليها باعتراف وتتمنى أن تجد حضناً دافئاً، وصدراً رحباً وحلاً سلمياً وتقابل بالصراخ والتعنيف أو الاستهزاء، أو حين تتوجه لها بأحد الأسئلة المحرجة التي لا تجد إجاباتها فلا تلقى تجاوباً، وتضطر بالتالي أن تبحث عن هذه الإجابات بين أوراق كتاب أو مجلة، أو حتى صديقة قد تضرها أكثر مما تنفعها..
لنفترض أنك تواجهين هذه المشكلة مع أمك، فتعالي نستنبط حلولاً صغيرة أنا وأنتِ، قد يكون لها أكبر الأثر في نفس أمك، وعلاقتك معها..
حين ترغبين في معرفة أمر يشكل عليك، جربي أن تقدمي سبب التساؤل قبل، ثم طرح السؤال، لتدرك والدتك مدى جديتك في البحث عن الإجابة، وضحي لها أنها وإن خجلت من إجابتك، أو عجزت عنها فلتوجهكِ إلى كتاب مفيد أو تنقل سؤالك إلى مختصّ، فتكون مصادر ثقة لأسئلتك، وأنك وإن تعددت بك وسائل المعرفة إلا أنكِ لازلت لا تستغنين عن معرفتها، وأنك في حاجة ماسة لها.
ماذا لو وقعتُ في مشكلة؟
حسنا.. قد تعترفين لصديقة، وقد تحتويك وتربت على كتفيك، لكن هل ستجدين عندها إجابات حكيمة، أو وزناً صحيحاً للمشكلة وحلّها؟ بعض الصديقات قد يملكن هذه الموهبة، لكن البعض وبحكم السنّ لا يفعل، فمشورتها سترضيك حتماً لأنها من ميزان واحد تتكافآن فيه، عمركما وتجاربكما في الحياة لا زالت بعدُ محدودة، والكمّ الأكبر من المشاكل الكبرى تحتاج رؤية أوسع بكثير من رؤية من لم تتنقل بين معتركات الحياة وتخوض غمارها، فحين تتوجهين لوالدتك – وقد لا ترضيك حلولها- إلا أنها أكثر حكمة، وستكون أكثر حرصاً عليك لأنك ابنتها وقطعة منها وإن بدا لك خلاف ذلك، جربي أن تتذللي بين يديها وتخبريها بوعيكِ بخطئك، وأنك معرضة للوقوع في الخطأ كأي بشر، وأنك ضعيفة تحتاجين الدعم والعون والتوجيه وترجين منها حضنا دافئاً عندما تأتينها حاملة مشكلة لتنسي ما حل بك ولتشعري معها بالأمان عندها، قولي لها بحبّ وبرّ: أمي تقبليني بشكلي الحالي، أعلم أنك تتمنين أن أكون أفضل وأجمل، ولكني ابنتك فأشعريني أنك تتقبلينني ولا تتركيني ألجأ لمن يترجم لي المشاعر ويلقي على مسامعي كلمات الحب والحنان التي أشعر أمامها بأنوثتي، وقيمتي، أمي إن كل همومي ومشاكلي ومتاعبي ستذهب عندما تشعرينني أنك معي بقلبك وإحساسك، وتشعريني بالحب الذي يسكن قلبك، ولمسات الحنان التي تنساب من يديك، وثقي بأني لن أتردد بالعودة إليك كلما حل بي مكروه أو تهتُ في حياتي..
مثل هذه العبارات، هي مفاتيح لأبواب قلبها وإن بدا لكِ موصداً- وثقي أن قلب الأم وإن بدت قاسية فإنه يحملُ الرحمة والحب لأبنائها- أمك تحتاجُ منك بالمقابل أن تشعريها بحبّك، وبقربك لتمنحكِ أكثر، فلا تبخلي عليها لئلا تبخل عليك، وتصلان معاً إلى برّ الحب والأمان، والفهم..
**
مجلة حياة العدد (87) رجب 1428هـ
|