د. سليمان بن عبدالله السكران
توجهت الاقتصادات العالمية خصوصاً النامية منها الى الانفتاح وتحرير قطاعاتها مما افضى الى تنافس بين الدول لتهيئة مناخ استثماري جاذب للآخرين فأقيمت الهيئات المتخصصة لدعم جذب الاستثمار الاجنبي بالذات ودعت تلك الهيئات الى تحسين البيئة الاستثمارية بكل ما ينوبها من نظم تشريعية وهيكلة مؤسساتية محلية وغيرها من الجهود الرامية الى جعل اقتصاداتها المحلية ذات خصائص جذابة في بيئته مقارنة بالآخرين. وفي هذا السياق انشأت المملكة الهيئة العامة للاستثمار في مطلع 2000فبدأت في جهود مشكورة نحو تنفيذ برامج طموحة جداً هادفة الى جعل اقتصادنا المحلي واحداً من اولى المراتب العشر في جاذبيته الاستثمارية. وقد اعلن مؤخراً بأننا سنصل الى هذه المرتبة بناءً على تقدم موقعنا حيث اعلن اننا نقترب الى المرتبة (30) بدلاً من 38.وفي هذا الاعلان خصوصاً بعد تفحص بعض الاقتصادات التي سبقناها في الترتيب تساءلت عن دلالات هذا الترتيب. ولست هنا مخذولاً أو ممن تطغى عليه الروح التشاؤمية بل كلي أمل وثقة بالله اولاً ثم بوجود مؤهلات وصولنا الى مصاف اكبر من ذلك الا انني ارى انه من باب الصدق مع الذات يجب ان نعرف حجم ما حققناه وما يمكن ان يتحقق وعدم الاستئناس بثقة كبيرة الى بعض المؤشرات من بعض التصنيفات العالمية. لقد سعدت كغيري بهذا التصنيف الذي يؤكد على الاقل اهتماماً بالناحية الاقتصادية وتنمية مقومات قوته وهو الاستثمار الحقيقي وتوسيع قاعدته. لكننا يجب ان نفهم ايضاً اننا مصنفون في الدرجة (70) في (مؤشر الانطباع عن الفساد الاداري) (Corruption Prception Index) وذلك من واقع تقرير الهيئة الدولية للشفافية (Transparency International) لعام 2005، وهذا التصنيف يرتب الدول والاقتصادات بالاقل فساداً ادارياً حيث تأتي دول مثل فنلندا وسنغافورة والنمسا وامريكا في المراكز العشرين الاولى وكثير من دول الشرق الاوسط تسبقنا خصوصاً تلك التي تأتي بعد مراكزنا في الجاذبية الاستثمارية. اما في عام 2007من بين (14) دولة في الشرق الاوسط فنحن في المرتبة الثامنة. وفي هذا بلا شك تناقض كبير في معاني هذه التصنيفات.
واياً كان الترتيب او حتى طريقة بناء هذه الاحصاءات والتصنيفات سواء من الناحية الفنية التقنية الاحصائية ومدى موثوقية معانيها في كلا التصنيفين فهي لا تعدو كونها مؤشراً ينبغي فحص كيفية وآلية حسابها وبالتالي دلالاتها. انني هنا فقط ارغب الاشارة الى ان تضخيم الانجازات يجب ان يفحص بطريقة علمية صادقة مثلها مثل فحص مؤشرات الاخناق او المساوئ. ولذا فهذه المؤشرات وغيرها كثيراً ما نقع في شراكها بسبب حبنا الموغل في تلميع الصورة او في جلد الذات وتقزيم الانجازات.
ان النمو الاقتصادي المستدام لا يجب ان يقوم على معلومات وقتية وتصنيفات منتقاة بل هو قائم على مؤشرات ومعلومات عن العوامل الاساسية مثل خلق الفرص الوظيفية ونمو الناتج الاجمالي ومشاركة القطاع الخاص وكفاءة استغلال الموارد وتوسيع قاعدة الاقتصاد وبرامج التخصيص وغيرها من تلك الاسس التي تعني نهضة اقتصادية صلبة وغير هشة. لذا فأياً كان ترتيبنا في التصنيفات المختلفة فالموثوق به في النهاية هو ما يبرز صورة الاقتصاد الحقيقي والتي لن تكون خفية المعالم لاستنادها الى العوامل الاساسية بل هي توصيف لها نحو معرفة واقع النمو وحقيقته.
@ أستاذ العلوم المالية المشارك - جامعة الملك فهد للبترول والمعادن
10-30-2007
المقال
المواضيع المتشابهه
العرض العادي
