أستراحه مع آفه من ألآفات ...

[الحارث بن همام]

حياك الله يا حاج منقاش

الحقيقة أنني خجل من قلة مشاركاتي في مقالاتك هذه ، لأسباب منها عدم التخصص ، فأنت تخصصت في هذه الهوام والحشرات التي لا خبرة لي بها ، ومنها أنني لا أحب أن تكون المشاركة مجرد تسجيل قول ، ولا أجد من الوقت ما يكفي لتسجيل فعل .

لكنني عزمت هذه المرة على مشاركة تراثية معك في هذه الآفة التي أتيت بها ، وهي الدبر الأسود كما قلت (في حين أن الصور لدبر احمر ...)

فأقول :

1) الدّبر في اللغة بتشديد الدال وإسكان الباء . وهي لهجة ثمالة الآن .

2) قيل سمي دبرا من التدبير والتأنق في عمل بيته . وقيل لأن سلاحه في دبره .
وقد عدد الجاحظ من سلاحه في دبره ، فذكر منهم : العقرب ، والدبر ، والحبارى ، والظربان !!

3)من أسماء الدبر الزنبور . ومن أنواعه : السرمان ، والصقيع والطنبور الذي يأكل الخشب ومن كناياته : أبو علي . وقيل : أبو عاصم . وأنا في شك من هذه الأخيرة . وعلى كلٍ ، صفات المدح في الزنبور كثيرة .
والمسألة الزنبورية في النحو مشهورة ، ووقعت بين الكسائي وسيبويه ، وهي :
ظننت ان العقرب أشد لسعة من الزنبور فإذا هو هي ، أو : فإذا هو إياها .

ومما قيل فيها نظما :

لذلك أعيت على الأفهام مسألة
أهدت إلى سيبويه الحتف والغمما
قد كانت العقرب العرجاء أحسبها
قدما أشد من الزنبور وقع حما
وفي الجواب عليها هل إذا هو هي
أو هل إذا هو إياها قد اختصما
فخطأ ابن زياد وابن حمزة في
ما قال فيها أبا بشر وقد ظلما
وغاظ عمرا عليا في حكومته
يا ليته لم يكن في أمره حكما

والباقي اسألوا عنه الحاج ملقاط .

4) ومن أسماء بيت الدبر : الكور ، والجياء ، والخشرم . وفي الأثر : لتركبن سنن من كان قبلكم ، حتى لو سلكوا خشرم دبر لسلكتموه .
والفتحات داخل الكور تسمى نخاريب .
وفي اللغة : خبزة أنبخانية . قيل : كأنها كور الزنابير .

أما الكرشاف الذي ذكرته أو الخرشاف الذي ذكره ابن أبي محمد فلم أجده في اللغة ولعله محرف من الخشرم .

5) والدبر من الحشرات الجميلة المظهر وألوانها زاهية ، ومن وصف الشعراء لها :

ولابس لونٍ واحدٍ وهو طائر
ملونة أبراده وهو واقع
أغر محشى الطيلسان مدبج
وسود المنايا في حشاه ودائع
إذا حك اعلى رأسه فكأنما
بسالفتيه من يديه جوامع
يخاف إذا ولى ويؤمن مقبلا
ويخفي على الاقران ما هو صانع
بدا فارسي الزي يعقد خصره
عليه قباء زينته الوشائع
فمعجرة الوردي أحمر ناصع
ومئزره التبري أصفر فاقع
يرجع الحان الغريض ومعبد
ويسقي كؤوسا ملؤها السم ناقع

6) والعرب تضرب المثل بالدبر في أمور :

الأول : حذقه في البناء : قالوا : يعمل بيوتنا مدورة كأنها من كاغد مزردة .

الثاني : حمايته لبيته . وهذه مشهورة ومعروفة ، وقد يكون الدبر من أشد المخلوقات في هذا . وكنا ونحن صغار نتحاشى بيت الدبور ولا نتعرض لها بأذى ؛ خشية منها . وقيل إنها تكون أشد عدوانية حينما توجد يرقاتها .
ولسعاتها مؤلمة ، وبعضها إذا تكاثر قد يقتل .

يقول الشاعر :

لا تستتر أبدا ما لا تقوم له
ولا تهيجن من عريسه الأسدا
إن الزنابير إن حركتها سفها من
كورها أوجعت من لسعها الجسدا

ولي مع الدبر الأحمر قصة مؤلمة إذ لسعني في موضع حساس !!
ويقال : إن الذباب إذا قطع رأسه ودلك بجسده موضع لسعة الزنبور سكن ألمها .
ليتني كنت أعلم ذلك الوقت .

الثالث : خصره النحيل ، الذي شبهوا به خصور الجميلات .

ومن شعر ابن أبي ربيعة :

وثلاث لقيت فى الحج يوما
كظباء المها ملاح ظراف
يتقابلن كالبدور على الأغصان
فى مثقل من الأرداف
بخصور تحكي خصور الزنابير
دقاق هممن للإنتصاف

وقال آخر :

ظباءٌ كالدنانير . . . ملاحٌ في المقاصير
وقد رزقن أصداغاً . . . كأذناب الزرازير
وأقبلن بأوساطٍ . . . كأوساط الزنابير

وسلامتكم .