رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||
|
|||||||
العصفور
العصفور العصفور العصفور العصفور العصفورضرب سحمان كفا بكف من الحزن حين أبصر بوابة المصح وهي تقفل محدثة صريرا مزعجا ... بينما المكلف بالحراسة يحث المتجمهرين بين مودع وزائر على الإسراع في مغادرة المكان لانتهاء الموعد المحدد ... التفت إلى جاره ( أبو عزي ) فوجده ممددا على سريره وقد أخفى عينيه بكوفيته وهذا يعني أنه يود الاختلاء بنفسه ... غير حافل بهؤلاء الذين يتحلقون حول هذا المريض أو ذاك ... فالأمر لا يعنيه بتاتا طالما لم يكن يتوقع أن يزوره أحد ...كان سحمان يحس بالمرارة والأسى لأنه لن يستطيع التحدث مع أبي عزي عن أبنائه كما فعل في اليوم السابق حين أخذ يتباهى بالتفافهم حوله ومواصلة الزيارة له بدون انقطاع ... الحياة في المصحة تجلب الملل والسأم ... خاصة إذا لم تتخللها هذه الوجوه التي تتغير بين الحين والآخر لكي تحدث بقدومها حيوية جديدة بما تسرده عن ماضيها ... وما عانته من المرض في سبيل الشفاء ... أو بما تحفظه من حكايات تجعل الآخرين يلتفون حولها بغية إبعاد الرتابة والروتينية التي اعتادوها كل يوم . كان جاره يحدثه عن حياته والدموع تنهمر من عينية ... نظر من خلال فتحة النافذة إلى السماء ... كانت الغيوم تتدافع هاربة بعد أن أفرغت زخا من المطر في مكان ما ... حتى شعر أنه يشم الرائحة العطرية للمطر ... أحس ببعض النشوة وكادت تزايله تلك الكآبة التي رانت علية منذ قليل ... شاهد عصفورا صغيرا مبللا على غصن الشجرة المقابلة للنافذة بفضول غريب ... فقد كان يبدو عليه الذعر ... فأدرك أنه مطارد من صبية أو طائر كبير ... تمنى ... لو يستطيع مساعدة العصفور ... أن يربت على ريشه المبتل ... أن يمنحه بعض الدفء والطمأنينة ... بيد أنه تنهد بحسرة لأنه أدرك استحالة تحقيق ما فكر به ... فأوشك الحزن أن يعاوده من جديد ، لولا أنه رأى العصفور ينقر على غصن الشجرة فشعر بالراحة وقال في نفسه (( قد وجد الدفء قريبا منه )) ثم تساءل : لماذا لا يذهب إلى عشه ، وقد أوشك الظلام أن يغشى الوجود ... أتراه ضل طريقة ... ؟؟ أصابته الحيرة ... وود لو يشاركه من يستطيع فهم طبيعة الحيوان ... التفت إلى جاره في السرير ... كان ما يزال يحجب عينية ، مستسلما لوحدته ... قال له بالأمس : ـ هذا الزمن الأغبر ... لم نعد نفهم أسراره . هز رأسه موافقا ... الحياة ملأى بالأسرار ... ولكن لماذا لم يحضر أي من أبنائه ... أترى أحدهم يشكو من مكروه أصابه ؟ قال جاره ودموعه تسيح : ـ لقد تركوني الواحد تلو الآخر ... فغدوت في شيخوختي لا أجد حتى من أتحدث إليه ... العصفور يتلفت كثيرا وهو ينقر على طرف الغصن ... لا ريب أنه ما يزال يحس بخطر المطاردة أترى أن العاطفة الإنسانية بدأت تتلاشى بين البشر ؟؟ اللهم لطفك بنا. (( ابنه الكبير لا ينتهي شجاره مع زوجته ... إنها متغطرسة ... وتريد أن تفرض رأيها علية وهو لطيبته لا يتردد عن الخضوع لها في نهاية الأمر ... نساء اليوم طباعهن حادة ... ولا يكففن عن الثرثرة بصوت مرتفع ... لقد حذرته من الاستسلام لها ... ولكن قلاعه تسقط مع حلول الظلام ... شباب اليوم يشكون من الرخاوة في اتخاذ المواقف ... )) بحث من جديد عن العصفور فكاد أن لا يتبينه ... إن بصره أصبح كليلا ... نصحوه بأن يستعمل نظارات طبية ، بيد أنه لم يجد ضرورة لها ... مطالعة التلفاز هي التي تصيبه بالدوار ... ومعاناته تزداد حين يشاهد ابنه ملقى في عرض الملعب ... ابنه الثاني أضاعت الكرة مستقبله ... إنه يعشق هذه الجلدة المستديرة حتى أعمت بصيرته .. لقد وبخه كثيرا من الانغماس في ملاحقتها .. وكاد يطرده من المنزل ... لو لا أن أمه الصبورة تضرب عن الطعام والنوم حين تراه يعنفه بقسوة ، لا يملك سوى أن يغادر المنزل حتى يتلاشى غضبه ... أحس فجأة بأن النوم يهاجمه ... نظر إلى جار أبي عزي لرغبته كثيرا في الحديث ... كان ما يزال على وضعه ... فأغمض عينيه وغطى وجهه بكوفيته ... قال له في معرض شكواه من أبنائه وهو يكاد يشرق بدمعه: ـ سوف نغادر الدنيا دون أن يشعر بوجودنا أحد ... فهل ذهب جهادنا سدى ... أم تحولنا إلى نكرات ؟ فرت دمعة من عينيه هو أيضا … تلاحمت الرؤى بالواقع … أصبحتا نسيجا واحدا … كان يغرق في لجة من الهموم … ابنته البكر لم تتزوج … والمطر أسدل ستارة أمامه ، فلم يعد يرى بوضوح ذلك العصفور الطريد الذي يرتجف من البرد … إنما أبصر أفعى ضخمة تلتف حول غصن الشجرة ... لسانها الطويل يندلق متحرشا بمن يواجهه ... يا إلهي ... لقد أطبق فمها على العصفور ... سمع حشرجته وعظامه تتكسر في جوفها ... فاستيقظ منزعجا وحزينا ... تلفت حوله ... الهدوء يلف النزلاء إلا من شخير متقطع يند من أفواه ابتلعها النوم ... ولم يكن الظلام كثيفا ... فالفجر ينشق عن ضياء واهن ... استعاذ بالله من الشيطان الرجيم واعتزم أن يؤدي صلاة الفجر ... غرق في النوم مرة أخرى ... تنفسه يضيق ... وأجهش بالبكاء على غير عادته ... حزنه يكفي لاستدرار الدموع ... خيبة الأمل نصل حاد ينغرس بين الضلوع ... وفجأة استيقظ من النوم ... نظر إلى الشجرة مباشرة فافتقد العصفور ... ثم تلفت من حوله فلم يجد جاره في سريره ... كان الوجوم يلف الآخرين ... أحس بأن شيئا ما قد حدث ... وتناهى إلى سمعه صوت نشيج يصدر من مكان ليس بالبعيد عنه ... أشار إلى السرير متساءلا ... هز أحدهم رأسه ثم أغمض عينيه وهو يرفع سبابته اليمنى محركا إياها بطريقة لولبية ... تمتم بالدعاء في سره وقد غشاه حزن هائل بينما انساحت دمعة ساخنة على خده . |
04-22-2006 | رقم المشاركة : ( 2 ) | |
ثمالي نشيط
|
نجم سهيل تحياتي لك
قصه جميله نسأل الله ان لا يردنا لارذل العمر تحياتي |
|
مواقع النشر |
|
|