د . فايز بن عبدالله الشهري
لعلّ من أميز حسنات الانترنت وخدمة البريد الالكتروني المصاحبة لها ميزة توفير الوقت وبالتالي سهولة الوصول إلى من أردت بأيسر جهد وبأقل تكلفة ما جعل هذه الخدمة واحدة من أهم وسائل مساعدة الباحثين وخبراء التسويق لجهة الوصول إلى الجماهير واستمزاج آرائهم في الظواهر والمنتجات وخلافه.
ربما لا تتذكر كم مرّة وجدت بين وارد رسائلك الالكترونية رسالة بعثها طالب أو باحث يأمل مساعدته في مشروعه البحثي من خلال تعبئة استبانة بحثية لموضوع ما، وقد تستجيب وتجيب على بعض الاستبيانات وفي أحيان ربما تعتذر بلباقة إما لعدم اهتمامك بالموضوع، أو لضعف قناعتك بجدواه أو بنائه العلمي. وفي هذه الحالة ينبغي عليك ألا تفاجأ كثيرا حينما تقرأ بعد فترة نتائج دراسة استندت نتائجها إلى مثل هذا الاستبيان - المرفوض من قبلك - خاصة ما يتناول بعض الموضوعات المثيرة للشهية الإعلامية والفضول المجتمعي.
نمط آخر من الاستفتاءات العابرة للحدود تتبناها جهات دولية وتروّج لها بشكل واسع بين جماهير الانترنت التي يشكّل الشباب نسبة كبرى من بينها. ومن عجائب بعض هذه الاستفتاءات قيام مروجيها بإغراء المشاركين بجوائز موعودة من خلال السحب الذي سيتم على الأسماء ما يدفع البعض إلى المشاركة من اجل الجائزة التي لن تأتي بل إن بعض الشباب يشارك في تعبئة الاستبانة الواحدة عدّة مرات مستخدما أكثر من بريد الكتروني غير عابئ بتناقض الآراء أو مدى إلمامه بطبيعة وأبعاد الموضوع.
وفي واحدة من هذه الاستبانات الأجنبية ناقش صاحبكم مرسل الاستبانة عبر البريد الالكتروني في بعض الأخطاء المنهجية الواضحة في بناء الأسئلة فكان أن رد معتذرا برسالة كُتبت باللغة العربية تبيّن بعدها أن القائمين على المشروع البحثي ما هم إلا وكلاء لمؤسسة دولية وضعت الاستبيان وطلبت منهم ترويجه في أوساط مجتمع الانترنت العربي.
المشكلة التي يمكن أن يتسبّب فيها "حراج" الاستفتاءات الالكترونية هو أن عدم جدية أو لنقل انخفاض مستوى وعي بعض من يتطوعون للرد قد يضلّل من يستند إلى نتائج مثل هذه الاستطلاعات خاصة أنها قد تبحث قضايا مهمة وتطرح مواضيع في غاية الحساسية في منطقة فيها الكثير من بؤر التوتّر والصراع ما لا تحتاج معه إلى مزيد من التسخين خاصة في مجال العلاقات الدولية المضطربة التي تتحكّم في مدها وجزرها مصالح جيوش الدول العظمى وطموحات الجماعات المتصارعة التي أقضت مضاجع العالم وهددت التعايش الداخلي في كثير من المجتمعات.
وقريب من هذه الاستفتاءات مسوح الرأي العام عبر الهاتف التي يجريها موظفون تابعون لمؤسسات بحوث إقليمية أو دولية إذ تُسحب مجموعة من أرقام الهواتف العشوائية لمواطنين سعوديين مُحتملين ثم تستطلع آرائهم في قضايا ذات علاقات متشابكة لتخرج النتائج بصورة تكرّس بعض الصور المغلوطة عن السعوديين كما يروجها الإعلام في المجتمع الغربي. ومن هذه النماذج نتائج استطلاع حديث أُجري هذا الشهر (ديسمبر 2007) من قبل مجموعة "غد بلا رعب" Terror Free Tomorrow وهي مؤسسة بحثية أمريكية مقرها واشنطن خرجت نتائجه لتؤكد وجود أساس لبعض الصور السلبية المسبقة وان كانت نتائج استطلاعات هذه المؤسسة أكثر إنصافا لنا من غيرها من الاستطلاعات.
والعجيب أن نشاط بحوث واستفتاءات هذه المجموعة يركّز على المملكة العربية السعودية وإيران وسوريا وباكستان، ومما يدعو للسؤال أنه في المملكة تحديدا كانت نسبة الاستجابة لمندوبي طرح الاستفتاء عالية (61%) في حين في العادة في الولايات المتحدة لا تتجاوز نسبة الاستجابة للاستفتاءات من هذا النوع 10-15%.
السؤال هنا كيف لمثل هذه للاستفتاءات الالكترونية أن تقدم صورتنا الحقيقة للعالم خاصة أن الانترنت باتت مسرحا مفتوحا لدراسة الشئون السعودية في ظل عدم عناية جامعاتنا ومؤسسات البحوث المستقلة باستطلاعات الرأي العام.
مسارات قال ومضى: أسأل نفسك أين سيضعك الناس حينما يتذكرون محطات (الماضي الجميل) في قادم السنيين.
01-06-2008
مسار
المواضيع المتشابهه
العرض العادي
